العيد على الأبواب، نقول ذلك مع اقتراب انتهاء شهر رمضان المبارك. اختلفت أبواب العيد منذ انتقالي إلى السويد و لم أعد أحتفل بشيء، و أنا التي كنت مفعمة بكل تفاصيل أعيادنا مع تقاليد أمي في آخر ليالي رمضان. كانت تنظف البيت بنشاط و سعادة غامرة، و بعد مرحلة التنظيف تبدأ بعمل الكعك و المعمول… أذكر جيدا عندما كانت تسيّح السمن البلدي على نار هادئة ثم تضيفها إلى وعاء كبير مملوء بالسميد و الطحين و البهارات ذات الرائحة القوية و الخاصة. كنت أجلس على الأرض أمام الوعاء و أتفرج على حركات يديها و هي تفرك العجينة بعناية كما يجب. ثم تترك العجينة حتى بعد موعد الافطار. في الليل كانت تخرج العجينة و تضعها في غرفة الجلوس، تصنع كرة صغيرة و تقول لنا، نحن بناتها الستة ‘أريد الكرات صغيرة مثل هذه’، و تذهب لتحضر معجون التمر، فتضيف إليه القرنفل و القرفة و الزبدة. تتعب أيدينا من صنع كرات العجينة و حشوها بكرات معجون التمر و تشكيل الكعك. مهمة أمي تصبح خبز الكعك و المعمول. كان الفرن في بيت الدرج، نحمل إليها الصواني، الرائحة تفوح في البيت، و في كل الحارة. في الحقيقة إنه لمن المستحيل أن يمر يوم من أيام أواخر رمضان بدون شم رائحة الكعك في الحي، و كأن الجيران اتفقوا على توزيع أيام الخبز واحدا تلو الآخر. و اللطيف في الأمر أن الجميع سينتهي بخبز نفس الكعك، إلا أنهم يتبادلون كعكاتهم بأكياس صغيرة أو صناديق كرتونية للتفاخر أو المغايظة بأن احداهن صنعت كعكا أكثر هشاشة من كعك الجارة الأخرى.
مرة انتقل إلى البيت المجاور لنا، سكان جدد، فبعثت لنا الجارة صينية كاملة من الكعك. و كما هو معروف، فإنه من الصعب ارضاء أمي بغير كعكها. من المخجل أن الجارة أرادت التعرف و التقرب منا بكعك محشو بالحلقوم، مخجل جدا، لم تحب أمي ذلك أبدا، لكنها بعد أيام تقبلت الأمر و أحالت ذلك إلى الابداع الفاشل، على الأقل حاولت جارتنا أن تغير الطريقة التقليدية و استبدلت معجون التمر بالحلقوم، حشوة سيئة.
قبل سنة قررت أن أحتفل بالعيد و اشتريت معجون التمر من دكان عربي في استكهوم. مرت أيام و أشهر و أنا لم أجرؤ على فتح القالب أو التفكير بصنع الكعك. كنت قد انتقلت مؤخرا إلى ذلك البيت الواقع في شارع الريح، كلما فتحت خزانة البقوليات و رأيت قالب معجون التمر هناك، يزداد تذمري؛ من البيت الذي لا أحب موقعه و من القالب الذي يشغل بالي بوجوده. لم أحب الحياة في الغابة و لم أحب فكرة عمل الكعك بدون أمي. مرة سألني صديقي ‘هل تسمحين لي بتناول بعض الشوكولاته مع القهوة؟’. قلت له مستغربة ‘طبعا’. يا له من سؤال!! لكن بعد دقائق، وجدته يحضر كوب قهوة و يتناول قالب معجون التمر و يقطع قطعة كبيرة!. استهجنت فعلته تلك و سحبت القطعة من يده بسرعة، خاف مني، كنت مثل وحشة صغيرة أبرم و أخبئ قالب التمر.
فقط قبل يومين حسمت الأمر، حملت قالب المعجون و قطعت طريقا طوله ساعتين، ذهبت إلى أختي في الجزيرة النائية في أرخبيل استكهولم… حضرنا عجينة الكعك و بذلنا جهدا في تطرية معجون التمر الذي جف من انتظار استخدامه.

