لا أذكر جيدا ما الذي حصل معي! ..آخر ما أذكره هو أنني نزلتُ عن السلم اللولبي الملتف على خاصرة البناية..ربما!, و ربما انزلقتُ و تدحرجتُ حتى عتبة البوابة و غبتُ عن الوعي..
حدجتُ بصري هنا و هناك ,بيد أنني لَمْ أرَ شيئا,المكان يغرق في عتمة حالكة,و أنا لا أعرف أين أنا و على ماذا جسدي مفروش..عينايَ مفتوحتان لكنني لا أرى,اضطربتُ؛”هل أنا عمياء؟”..هدهدتُ نفسي ريثما يتضح لي هذا الكابوس الغامض..
احتملتُ أنني في غرفة و قد دخل الوقت ساعات الليل و الأضواء مطفأة و الكل نائم..رفعتُ رأسي عن الوسادة في محاولة نهوض لأزيح الستائر و أخرج..بل لأهرب من الكابوس..و ما أن تحركتُ قليلا حتى ارتطمتُ بسقف خشبي خشن,وقعتُ في القاع!..لا يفصلني عن السقف سوى بضع سنتيمترات ..شعرتُ أن النهاية تدنو من أنفاسي..اختنقتُ..لَمْ أعُد أسمع سوى نبضاتي و احتكاك رئتاي بصدري..حرّكتُ يدي محاذاة الجانب الأيمن من جسدي فاذا بقطعة خشبية تحجزني..
تناهت إليَّ أصواتا مألوفة..تسللت عبر ثقب صغير..أمي تقول بصوت باكي و رجاء ” لن تدفنوها إلا عند قبر جدتها “.. إلهي ..عن أي دفن ترهف أمي ؟
إذن أنا الآن محشورة في تابوت..
لستُ بميته..أسمعهم…
أحس أنني أرتفع,أحدهم رفع التابوت..يا لها من ورطة..على ما يبدو أنني الآن فوق أربعة أكتاف فشلتُ من تحديد أصحابها..انني أتحرك أقصد أنهم يمشون بتابوتي نحو المقبرة..ها هم يقتربوا..أعرف جيدا هذا المكان من رائحته,الحشائش التي ليس لها اسم تفوح رائحتها الشيطانية من الشقوق المحززة في رخام القبور..تغيظني نتانة عرق الحارس(أعرفه حق معرفة)الذي لا يتزحزح عن قبر زوجته..
– هذه الحفر بمقاس ابنتكم
صاح حفّار القبور, و اقترح رجل غريب أن يَرْسوا على تلك الحفرة -التي أجهلها- و يجعلوها قبري..
لستُ خائفة من ورطتي السريالية..كل ما أخشاه هو أن أكون حقا ميته..أنتظر أن يفتحوا التابوت لأتحقق من ذلك, و أرى الوجوه كي أصرخ فيها ” أنا على قيد الحياااة “, تأرجحت الأكتاف تحتي,لامس تابوتي التراب..أزيز القفل مزعج,انفتح شق دقيق في طرف التابوت العلوي..لمحتُ أمي..تسللت دمعة منها إليّ..أردتُ التكلم بشيء,لكن لساني انعقد,لا أستطيع النطق و لو بحرف..
لا أذكر جيدا ما الذي حصل معي..
كل ما أذكره في هذه اللحظات أن دفني تأجل و نشروا في الجرائد فضيحة المرأة التي رفضتها القبور ..