يومياتي في مصنع البلازما، 2

قضيت ساعات طويلة أعمل مع زملائي على عملية فصل البلازما و الحصول على مادة مهمة اسمها كريو. حصلنا على ٢٠ كيلو كريو من ١٠٠٠ كيلو بلازما (ثمنها حوالي مليوني يورو). و يحصل ذلك باستخدام جهاز خاص يشبه بعمله الخلاط الكهربائي، و يدور آلاف الدورات خلال ثوان عديدة.

كنت أراقب العميلة بمتعة فائقة و أنا أرمي بين الفينة و الأخرى نكتة مملة لطرد الخوف. إنه الخوف من الانتقال إلى غرفة التجميد. قلت لزميلي روني ‘هل بامكاني أن آخذ حفنة كريو معي إلى البيت’. نظر إلي دون أن يجيب، فأكملت ‘حفنة بعشرين ألف يورو؟’. امتعض روني و قال’يكفي هذا، ساعديني في نقل الكريو الآن’.

وضعنا سطل الكريو على ناقلة معقمة و جرها روني نحو غرفة التجميد. قبل الدخول، شدني أحدهم من طرف بلوزتي و قال بسرعة ‘لا، انتظري. يجب أن تضعي نظارات واقية، هل ترتدين سترة داخلية؟’. أجبته بنعم و تلقفت من شخص آخر النظارات. أحدهم صاح في وجه روني ‘أحمق أنت، كيف لم تعطها نظارات و أنتم داخلون إلى التجميد؟’.

تجمدت شفتاي، لا من البرد، بل من الخوف. تابعت خطوات روني الحذرة، حتى وصلنا إلى سطل معدني كبير، سحب روني أنبوب طويل و ضغط على زر لونه أحمر، ثم بدأ النيتروجين يملأ السطل، كانت الاشارة على اللوحة الالكترونية للأنبوب تشير إلى أن درجة حرارة النيتروجين وصلت الآن إلى مائتي درجة تحت الصفر. كان الحماس واضحا في حركات روني و هو يبدأ بوضع الكريو قطعة وراء قطعة في سطل النيتروجين… قال لي و هو يرمي قطعة ‘هيا، تعلمي كيف ترمي الأشياء في الغيوم’. أخذت قطعة و رميتها بيد مرتجفك من بعد مسافة، سقط نصف القطعة على الأرض، فصاح روني ‘يا الهي لقد رميتِ عشرة آلاف يورو على الأرض’. قلت له و صوتي يرتعش ‘أريد أن أغادر الغرفة، أنا خائفة’.

كان بخار النيتروجين قد ملأ الغرفة و لم أعد أرى شيئا، كنت كما لو دخلت في غيمة كبيرة. جررت قدماي نحو الخارج و خطوة بعد خطوة كنت أرى كتفي ثم يداي ثم بطني ثم قدماي، حتى خرجت من الغيمة الضبابية البيضاء و رأيت كلّي.

يومياتي في مصنع البلازما 1

منذ أيام قليلة بدأت العمل في أوكتافارما، أكبر شركة عالمية منتجة للبلازما و البروتينات البشرية. و بالفعل إنها شركة كبيرة، أقصد هنا حجم مبانيها الواقعة في استكهولم. يصل بين المباني جسور و يوجد مصاعد كهربائية في كل مكان إلى جانب السلالم و المكاتب و غرف الاستراحة و المطعم الواسع…. و الأهم من كل ذلك، الأبواب. لا أستطيع تخيل عدد الأبواب هناك، انها أشبه بمتاهة، خصوصا انني أسوأ شخص في العالم في تحديد الاتجاهات و معرفة الطرق.
عملي مع البلازما يتطلب ملابس خاصة، معقمة بعناية فائقة، نقوم بتغييرها في غرفة كبيرة، تحتوي على مئات الخزانات و الأقفال و لكل شخص مفتاح و خزانة يضع فيها ملابس التغيير.
المهم أن خزانتي موقها في غرفة تغيير تم بناؤها حديثا، و للوصول إليها، أحتاج العبور عبر آلاف الأبواب و المصاعد و الجسور و النزول تحت الأرض ثم الطلوع و فتح الباب النهائي ببطاقة مغناطيسية.
اليوم غادر زملائي العمل باكرا، و قد نسوا أن هنالك فتاة ضائعة لا تعرف الاتجاهات. فكرت بانني يجب أن أتعلم بسرعة طريق الوصل إلى غرفة تغيير الملابس و منها إلى موقع عملي و ثم الطريق إلى البوابة الخارجية للعودة إلى البيت. كل تلك الطرق المهمة لا أعرفها بدون رفقة روني، الشاب المسؤول عني في العمل.
جلست في غرفة شرب القهوة، و فردت في ذاكرتي خريطة الشركة و الطرق المؤدية إلى غرفة ملابسي. ثم ذهبت باتجاه الجسر الذي بدا لي ممدا في جهة الغرب، ثم انعطفت إلى جهة اليسار ثم دخلت بابا و نزلت ثلاث درجات، طلبت المصعد الكهربائي و نزلت إلى الطابق الأرضي حيث أذكر أن الغرفة هناك، لكن وجدت شيئا غير ذلك. تحولت غرفة ملابسي إلى مخزن تجميد البلازما؟
شعرت باحباط و خوف شديد و كدت أبكي، ذهبت بالمصعد إلى الطابق الخامس، و هناك لم أعرف كيف أعود إلى غرفة القهوة، ضعت تماما، و لم يكن ثمة شخص أسأله ليدلني. مشيت على الجسر بيأس.. و في نهايته وجدت زميلي ليف، قلت له أنني أحتاج تغيير ملابسي و العودة إلى البيت، قال ‘جميل، أراك غدا، باي’. بسرعة استدركته ‘لا لا، أريد مساعدتك في ايجاد ملابسي’. سألني ‘أين هي؟’. قلت له ‘تحت الأرض’. تشوش ليف و شرحت له طريق الوصول، لكنه لم يقتنع لأن الطرق التي وضحتها له كانت باتجاهات غير منطقية، فقرر أن يتصل بروني، الشخص الوحيد الذي يعرف أين ملابسي. وصلني صوت روني الغاضب جدا من سماعة تلفون ليف، ‘يا للجحيم، يجب أن تعرف كل الأبواب و الطرق…’.
أخيرا وجدنا غرفة ملابسي… قبل أن يتركني ليف في الغرفة، تأكد من أنني سأعرف كيف أغادر الشركة. و هكذا عدت إلى البيت متأخرة جدا.

71230120_10217403530055204_4254112544878231552_n
صوة بجانب باب غرفة تغيير الملابس, توضح امرأة تقف تحت الدوش لضمان النظافة قبل الدخول إلى غرفة فلترة البلازما.