كنتُ أريدُ أن لا ننام – قصيدة ل داليا طه

كنتُ أريدُ أن لا ننام
أن تفتحَ البابَ وتضعَ حقيبةَ ظهرِكَ الحمراءَ
على الأرض
أن تخلعَ حذاءَك القاسي
وتُعَلِّقَ مِعطَفَك
بعدَ ذلك نستطيعُ أن نبدأ
بما تبقّى مِنك
ويَمشي في العتمةِ بعيداً عن مِقْبَضِ الباب
مادّاً ذِراعَيْهِ أمامَه
مُتَحَسِّساً الجدرانَ والأثاث.
حتى الآن الكلماتُ لا تخرجُ من فَمِك
ولكنَّني أسْمَعُك
وقد أضأْتَ مِصباحاً
وكلُّ هذه التُّحَفُ الصغيرة
التي لا تعرفُ ماذا ستفعلُ بها
ستملأُ الغرفةَ مرةً واحدةً بالظلال
وبينما تزدادُ العتمةُ في الخارج
ستعْبُرُ أمام النافذةَ الواسعة
التي تُطلُّ على صفٍّ من الأَشجار
ثم تشعُرُ للحظةٍ بغرابةٍ أننا نتَشاركُ مع هذه الكائناتِ الغامضةِ نفْسَ العالَم
هذا سَببٌ كافٍ لأنْ نُخْفِضَ أصواتَنا
ونتحركُ بلا ضجَّة
بِبُطْءٍ
كما لو أن أحداً ما أعارَنا أجسادَنا لِلَيْلَة.
كلُّ شيءٍ حَيّ
حتى لو لم يكنُ يملكُ قلْباً
حتى المركباتُ القليلةُ التي تعبرُ الشارعَ الآنَ
تبدو كَذِكْرى
والمتظاهرون الذين كانوا هنا في الصباح
لقد تفرَّقوا منذُ ساعات
والساحاتُ خاليةٌ منهم
ولكنهم تركوا وراءَهم شيئاً: كما لو أنهم قد غادروا للتَّوّ
نحنُ نعرفُ الآنَ أن ابتساماتِهِمُ
تنزلُ عن أعمدةِ الكهرُباءِ حيثُ علَّقوا أجْسادَهم
انظر معي
الليلُ انتشرَ في كُلِّ مكانٍ
حتى النباتات تبدو كأنها تعرف ذلك
وبدأت تُنصت
ويكفي أن تجلسَ هنا
دون أن تفعلَ شيئاً لتبدو
جميلاً
ولكنكَ تحاولُ أن تجد سبباً للخروج
على الرُّغم من أن الليلَ طويل
أيها المطرُ اهطُل على هذه المدينة
هناك حواجزُ كثيرة
وجنودٌ على مداخلِ المدينة
ومَن يدري
إذا خرجنا قد لا نعرفُ كيف نعودُ إلى بيوتِنا
ولكنَّنا وُلِدنا للتَّوّ
ولا نعرفُ أين نحنُ بالضَّبط
وفي الليل نحن والأشجارُ نصبح
عائلةً
وهذا سببٌ وحيدٌ وكافٍ
لأَنْ نُسمّي هذا العالَم
الشاسعَ والغامضَ

Dalia Taha داليا طه

مقلوبة – نص ل مايا أبو الحيات

النص و الصورة لِلشاعرة مايا أبو الحيات

أطلب لأولادي بيتزا بأطراف محشوة بالجبنة
واعرف أنني سآكل مقلوبتي وحدي لثلاثة أيام متتالية
ورغم الأسطورة التي تقول أن المقلوبة أطيب عندما “تبات”
إلا أن الأسطورة لم تثبت جدارتها معي
فالشكل يصنع للمقلوبة طعمها
حين تتحقق الرغبة بالانقلاب
ثم تتبادلان
الرغبة والشكل
المهام
في صناعة طعم محروق
يلتصق بقاع الوعاء.
● ● ● ●
صديقتي الفلاحة تصنع مقلوبة لا يحبها أصحاب المدن
هل المقلوبة مدنية؟ أم من القرية؟ نسأل بعضنا على استحياء
الفلاحة تعرف أن الزهرة البلدية يتم صبغها باللون الأصفر في أسواق رام الله
لهذا المقلوبة لا طعم لها في المدينة
بينما لا يطيق أهل المدينة طعم الدجاج الذي يتمشى في حدائق القرية الواسعة
فهو لا يشبه طعم الذي يفرم في “المعاطات”
وحين تتحول المقلوبة إلى حدث مجتمعي يستدعي الأسئلة الإنسانية الكبيرة،
نملأ فمنا بالأرز ونتوقف عن الكلام
فلا أحد يريد أن تفقد الأكلة
طعمها
● ● ● ●
مقلوبة المغتربين
مقلوبة وطنية
تصنع في الأعياد والمناسبات الخاصة
من الممكن جدا أن ترى علما يُرفع فوقها
ورقصات جماعية وموسيقى ودعوات للجيران الأجانب
فالجميع يعرف أنه من المستحيل
حتى في الغربة
أن تصنع مقلوبة
لشخص واحد

كمن يرى حبيبته عارية لأول مرة
تسقط المقلوبة من القدر محرجة
إنها أكلة معقدة
وتحتاج لبحوث على أكثر من طبقة
فهي الصنعة التي عليك أن تنزل فيها إلى القاع
قبل أن تصل إلى القمة.
ورغم أنها تبدو واحدة لدى الجميع
إلا أن لكل واحد منا مقلوبته الخاصة
فهناك من يكتفي بالزهرة أو الباذنجان
ببساطة الأشياء التي تثق بما لديها
وبعضهم يعقد الأمر بشرحات من الجزر والفلفل،
أو البندورة وفصوص الثوم
هذا النوع من التعقيد غير مستحب،
لمن يعرف أن المقلوبة لا تكون إلا بالزهرة والدجاج “للفقراء”
والباذنجان واللحمة “للطبقة المتوسطة”
وطبعا لأنها مدورة
فلا بد من مشكلة تدور حولها
فهي أكلة يوم الجمعة
بعد حمام الأخوة الذكور
ومشاكلهم الأسبوعية
وتعزيل البنات البيوت لأمهاتهن
أنها أكلة الجمعات المشوبة بالحذر والتوقعات والتشنجات
والاختبارات الصغيرة.
وحين يعبر النهر صالة الجلوس
تصبح أكلة للحنين
تقلب فيها الذكريات الحقائق
وتصنع الحب
● ● ● ●
لم أعرف كيف أطبخ المقلوبة كما تفعل الأمهات،
الفلسطينيات منهن على الأقل
وبعد مرات متعددة من صنعها وفشلها
لا زالت مقلوبتي بيضاء
وطعمها محايد
وحتى حين عرفت سر صنعها
“ألسمنة المضافة على وجه مرق اللحم، التي لا يباح بأمرها لمرضى القلب وتصلب الشرايين”
ظلت مقلوبتي صافية
بلا شوائب
أكلتها في بيت عمتي، فكانت حبات الأرز مرصوصة فوق بعضها بكبرياء
وفي بيت صديقتي أرتخت حبات الأرز ملتصقة باللحم والباذنجان
وفي بيت حبيبي مزينة باللوز والشعيرية
كنت أراقب هبوطها على صينية الستيليستين، كمن يراقب حدثا سيحدد شكل الساعات القادمة
فهي إما ستنزل كقالب كعك العروسة، فنصفق لها
أو ستنفرط كحبات العدس من كيس مثقوب، فنكتفي بالمزحات المشجعة
لكنني أحببتها في كل حالاتها،
وحين بدأت بتحليل نفسي، كما تفعل الطبقة المتوسطة الجديدة
فهمت أنني لم أملك مواصفات محددة للحب
وأنني أحببت ما كان يقدم لي، مهما كان شكله وطعمه
وأنا أعود إلى مقلوبتي البيضاء وأتذمر
● ● ● ●