المنتحرون الشجعان

في السويد تحدث حالات انتحار هائلة، و لكن لا أحد يعرف عنها شيئا، لأن الصحف لا تتكلم عنها، و لأن الشرطة لا تعطي أية تفاصيل عن تلك الحوادث المروعة و الحزينة. يمكن لأي شخص أن يدرك أن أحدا ما انتحر في هذا أو ذلك المكان عندما يمر من فوق الجسر و يجد بأن البلدية قد وضعت على جوانبه أسلاكا شائكة طويلة، السبب واضح، أكثر من شخص ألقى بنفسه من فوق ذلك الجسر، لقد أنهوا حياتهم بالسقوط في بحر البلطيق، في البحيرات المتجمدة أو على السيارات و القطارات..

قبل أيام مررت من على جسر في فليمنغاتان، رأيت شابا يتأمل القطارات بغرابة، بسرعة فكرت بأنه ربما يخطط بالانتحار، شعرت بالخوف، و لكن جوانب الجسر كانت مسيجة، آه شعرت بالارتياح.. في نفس اليوم مررت من على جسر آخر فوق بحيرة، لم يكن مسيجا، نظرت إلى الماء و كان بامكاني رؤية نهاية العمق، حيث الرمل و الحصى، إذن تلك البحيرة ليست مكانا جيدا للانتحار، إنها تحفظ الحياة بعمقها الضئيل، الأعماق التي بلا نهاية هي التي تغري المنتحرين..

أمس كانت الأخبار من الجانب الآخر من العالم، هناك، من غزة أتت، من المدينة التي نشأت فيها بكل تدهور الأيام و بؤس الحياة.. شاب جميل كان يكتب القصص و ينتحر بفشل بشع، و لكن فقط أمس نجح في الانتحار و ذهب إلى تلك الأعماق التي تشبه بحيرات السويد في ظلمة الشتاء. نعم، لا أريد أن أضيف شاعريتي لوصف انتحار ذلك الشاب، لأنني أبتعد عن الرومانسية عند الكتابة، كي أكون أكثر صدقا و اقناعا. المهم، الشرطة و الجيران و الصحافة و ناس المدينة و الفيس بوك و الكل ضجّ بقصص و أخبار انتحار الشاب، كيف انتحر، و انتشرت التفاصيل و الكل عرف بالضبط كيف و لماذا و متى..

الفرق بين الانتحار هنا و هناك، أن الشرطة و الصحافة تتمنع عن الادلاء بأي انتحار حدث، حتى أنهم لا يفصحون عن أعداد المنتحرين، أسماءهم، أو أي شيء آخر.. السبب بكل بساطة، إنهم لا يريدون أن يلهموا اليائسين و البؤساء الشجعان بطريقة لانهاء حياتهم. يجب أن لا تؤثر قصص المنتحرين على بقية الناس الذين يعانون من كآبة أو أزمات حياتية. احتفظوا بقصصهم الحزينة و حاولوا تنظيف المدينة من أسباب الانتحار.