سر الخبز

محاولتي في الخبز
محاولتي في الخبز

لطالما كنت أتجادل مع أمي بخصوص صنع الخبز في البيت, كنت دائما أقول لها أن الزمان تغير و أن شراء الخبز جاهز أسهل من خبزه في البيت, كما أن الخبز أصبح يباع بسعر رخيص. لكن أمي تخالفني, و تقوم بعجن الخبز بنفسها بالرغم من أن الطبيب نصحها بعدم الضغط على أصابع يديها لأنها تعاني من ألم المفاصل.. هنالك سر دافئ في يديها.. هنالك جمال حزين لا أستطيع تفسيره في فوضى الطحين حين تسكب الماء عليه, و حين تنتظر نضوج الخميرة, و حين تقطع العجين إلى كرات صغيرة.. خطواتها السريعة نحو الفرن و لمعة عيناها حين يتورّد الرغيف في النار مثل فراشة تقاوم الاحتراق..
ما تزال أمي حتى الآن شغوفة في صنع الخبز, إنه أحد أهم طقوسها في البيت. و الآن بعد أن أصبحنا بعيدتين, قررت أن أكتشف سر الخبز, و صنعت أرغفتي بنفسي. شعرت بالسعادة و أدركتُ بالضبط معنى أن تتلطخ يداي بالعجين..

* غدا سوف أحمل رغيفا إلى صديقة من غواتيمالا, اتفقنا أن نتبادل أرغفتنا, لتصنع هي خبزا عربيا و أنا أصنع خبزَ أمريكا اللاتينية.

من يوميات امرأة نحيلة

لا أحب الطبيخ, يمكنني العيش على صحن أرز بالذرة و قطع الجزر, أو معكرونة بالجبن

الطبيخ عدو معدتي.. الطعام كله لا أحبه.. و بالتالي تأتيني المصائب حين أمرض و يلزمني الطبيب بدواء معين يجب أن أتناول الطعام قبله بساعة أو ساعتين..

فماذا آكل؟

حين أقع في الحب لا آكل أبدا, حتى انني أنسى المعكرونة بالجبن, و لا أطيق رائحة الفاصولياء و هي تنضج على النار.

مرة اشترت لي أمي من الصيدلية حبوب فاتح للشهية, يومها تعاطفت مع مشاعر أمي القلقة تجاهي, أخذت حبة و بالفعل انفتحت شهيتي و التهمت الأخضر و اليابس, و لكن المشكلة كانت آثار تناول الحبوب و هي النوم لساعات طويلة, مما دفعني للتخلص من شريط الدواء بتذويبه في المرحاض..

بعد أسبوع جاءتني أمي بدواء جديد من طبيب مختص, كان حبوب الفيتامينات, رائحة الحبوب كريهة جدا لدرجة أن معدتي كانت تتلوع و بالكاد تلفظ ما بها.. و لكنني بالرغم من ذلك أجبرت نفسي على تناول الفيتامينات لسبب واحد و هو ابراز معالم جسدي بعد أن شارفت على الاختفاء..

صرت أتناول الفيتامينات يوميا و بالتالي كنت أميل لأكل الطبيخ و لكن مع أفراد الأسرة كي أتحفز لتناول الأكل..

الطعام ليس شهيتي, هنالك الموسيقى الروسية و العربية و الأغاني التي تخرج من حناجر الذين يقطنون تحت خط الاستواء خصوصا أمريكا اللاتينية.. كل ذلك طعامي المفضل, أضف إلى ذلك الروايات و النصوص ذات النكهة الخرافية الطالعة من كهف رطب بنبيذ الجبل و الوادي ..

(* الأمر تغير هذه الأيام )

Gracias a la vida

tumblr_inline_mg7x4cf1nh1rwoiss

إنها أمريكا اللاتينية, إنها هي, المرأة ذات البني الغامق..

إنها ساعي بريد نيرودا, إنها مخزون سنة من البندق لأجل راوية الأفلام..

إنها السعادة حين يحدث أن تستمع إلى أغاني البيتلز في سيارة أجرة تقلّك من مكان العمل إلى زوجتك و أبنائك.. فإذا كنت غير مرتاحا, تطلب من السائق أن يغير تردد الراديو أو يشغل أغنية لِـ

Violeta Parra

أمريكا اللاتينية, التي صمتت طويلا و عاشت أكثر قوة و ثارت و أصبحت تشتم كرسي الرئاسة, و عالجها قلم النجار بخبرة الرجل الواعي.. من يجرؤ على تجاهلها؟

تقف على باب المصعد, و تفكر بالاتجاه قدما نحو الفوضى, و تفكر أيضا بحلول معيشية تشربها مثل كأس خمر و تنساها على مائدة أصدقائك..

تلك النصف ساعة من الجلوس وحيدا في الفناء الخلفي, محدقا في رأس السماء و أنت تسحب أصوات المارة من الشارع و تقول بحب شديد ” أمريكا اللاتينية.. سامحي مشاكلي”. ثم يرتد صوتك شاكرا الحياة

“gracias a la vida”

أمريكا اللاتينية, إنها حقيقية جدا.. نبتت من سُرّة امرأة تجيد طبخ الفيجوادا, و تصنع مشروب المتة بمهارة.. لنجلس في بيت بسيط و نقتسم مع سيدة القارات كعكعة البطاطا.. ثمة قصائد و حب و عيون لامعة تجيد الأمل.

_____

* العنوان باللغة الاسبانية يعود في الأصل إلى اسم أغنية للمغنية الأرجنتينية مرسيدس سوسا, و ترجمته ” شكرا للحياة”.. و هي أعظم أغاني سوسا.