شارع الحي الذي تمشي فيه ذكرياتي

غزة

هذه ليست صورة من الحرب العالمية الثانية..
(صورة أرسلها لي أخي من مدينة أصبحت بعيدة جدا و وحيدة جدا جدا)

نسمي هذا الشارع الطويل باسم شارع أبو حنفي، لأنه ينتهي عند دكان أبو حنفي الذي يتكلم مثل راديو سريع جدا ولا أحد يفهمه، و لكن الجميع يحرك رأسه كأنه يتابع حديثه.
في بداية الشارع على جهة اليمين، دار عائلة أبو سامي، البدوي الذي جدّ و كدّ في حياته من أجل بناء غرف لأولاده و تزويجهم فيما بعد في نفس البيت ذو السقف الاسبست.
على يمين الشارع تقع أرضنا الوديعة. يا الهي أكاد أبكي و أنا أكتب ‘أرضنا’. فيها شجر زيتون، ليمون، تفاح، توت، عنب، بابايا، جوافة، ميرمية، نعنع.. و فيها أيضا غرفة كبيرة للتبن و حظيرة للغنم و أخرى للدجاج و حوش صغير للبط.. كان أبي يقضي معظم وقته في الاهتمام بالشجر و الحيوانات و لذلك قصص لا تنتهي سأكتبها فيما بعد.
اذا تابعنا المشي في الشارع، يأتي دار أبو ناجي الذي عاد من السعودية في التسعينات، قال بأنه نقل عفش بيته من السعودية إلى مصر عبر سفينة شحن كبيرة، كلما سرد علينا قصة النقل الكبيرة، أصبنا بذات الذهول، أن تنقل عفشك من بلد إلى آخر لأنك تريد الاحتفاظ بنفس الرائحة و الذكريات..
ثم دار عمي عمر، عمل هو و أبنائه حتى تقوست ظهورهم و استقامت عمارتهم لكل ابن شقة و أُسرة..
دار الحلو على اليمين، كانوا يحبون اقامة الحفلات في ليالي الصيف الرطبة.. ثم دار اليازوري الذين يعرفون بأبيهم مدير المدرسة الصارم..
نحفظ البيوت بيتا بيتا.. نحفظ أسماء الجيران اسما اسما.. نحفظ عددهم و قصصهم و أفراحهم و أحزانهم..
لعبنا كثيرا في هذا الشارع الطويل.. كنا نحب العائلة التي تستأجر شقة الطابق الأرضي من دار أبو ناجي، كانوا يأتون من الأردن كل سنة في عطلة الصيف، كنت أشعر بالوحدة كلما عادوا إلى عمّان، فقد كنت أخرج يوميا مع ابنتهم و نلعب لعبة بيت بيوت، لقد نسيت اسم البنت، ربما عفاف، على أي حال يوجد في اسمها حرف العين.
في نهاية هذا الشارع، على جهة اليمين، اذا مشيت لأقل من نصف ساعة، ستجد نفسك أمام البحر.. ياااااه، لم يرسل لي أحد صورة الشارع المؤدي إلى البحر. أخاف أن أرى ما حدث لذلك الشارع الرائع، على جوانبه بيارات زيتون و برتقال و بيوت صغيرة و بعض العمارات الجديدة..
لدي الكثير لأكتبه عن الشوارع و الحارات و الجيران.
لم تترك الحرب حجرا على حجر إلا و كسرته. لم تترك لذاكرتي صورة غير مخدوشة.

مقطع من مذكرات غزة

عندما كنت في غزة، لم أعرف مدينة في كل العالم غيرها، كانت كل شيء بالنسبة إلي. لم أحبها يوما، كانت مدينة مليئة بالاجتياحات و الشهداء و الجرحى، حتى تعقدت الأمور و أصبحت مدينة محاصرة، ثم انتهى الأمر بها و صارت مدينة الحروب.

كنت أهرب منها في الرويات و الأفلام التي كانت تأخذني إلى العالم. و لحسن الحظ كان لدي هروب آخر: البحر. كان بامكاني رؤيته من بيتنا. كانت المسافة بيننا ربع ساعة مشيا على الأقدام. البحر كان يقع في جهة الغرب. في الصيف أزرق و هادئ و لطيف، في الشتاء أيضا أزرق و لكن هائج و بالامكان سماع صخب تلاطم الأمواج العالية. كانت رؤية البحر ملاذا للأحلام. حين كنا نتمشى على الشاطئ في بداية كل خريف، بعد انتهاء عطل الصيف، كنا نتسابق في البحث عن قطع نقدية ضائعة و حين نجد عملة غير الشيكل، نصيح بجنون ‘هذه من وراء البحر، أقسم أنها من نيويورك’.

أما في جهة الشمال، كانت مستوطنة سديروت تراقبنا طوال الوقت، لم أخف منها يوما، بعكس أطفال الجيران، كانوا يقولون ‘اذا نظرت إلى المستوطنة، فسوف يصيبك العمى لأنهم يطلقون رصاصا صامتا على عيوننا كي ننساهم’. كنت أحب مشاهدة الأضواء في ليالي الصيف عندما كنا ننام على سطح البيت بسبب الحمّ. تلك الأضواء كانت تدفعني إلى الحلم بطريقة غريبة، كنت أذهب في أفكاري نحو شوارع المستوطنة و تخيل بيت جدتي الذي دمر و اختفى كليا.. حلم العودة.. آه تلك المستوطنة اللعينة أضاءت ليالي الصيف المعتمة بسبب انقطاع التيار الكهربائي عنا كل ست ساعات. لقد أضاءت كرهي للعالم. المستوطنة، الصيف، الأضواء، جدول الكهرباء. حقا يا له من سطر كريه.

التخلي عن الكتابة من أجل الأدوية

فكرت أن التخلي عن الكتابة و عن مهنة تدريس اللغة للأجانب، سيكون شيئا أكثر اثارة في حياتي. لطالما أصابني الملل بسرعة عند ممارسة عمل ما أو اتباع روتين جديد… حتى الطعام و الحب. أفقد شهوتي اتجاه الأشياء بعد فترة من الزمن.
أتذكر عند بداية قدومي إلى السويد، اكتشفت سلطة البطاطا السويدية و بدأت اشتريها باستمرار و أكلتها تقريبا يوميا، مرت أيام حتى مرّ شهر… و فجأة قررت: إنه يوم التخلي عن سلطة البطاطا. مرت خمس سنوات و لم اكل تلك السلطة حتى الآن. قصص الملل و التخلي تمتد لتصل الحب و الشجار و الخلافات المتعبة.
بالرغم من ذلك، إلا أنني لم أتخلى يوما عن أغنياتي المفضلة و عن أماكني الغير محدودة. لا أهتم بجودة الأغنية جدا، ما يهمني هو المناسبة التي جعلتني أستمع إليها حتى حفظها في ذاكرتي. أغنية لا تكون خجولا جدا، سمعتها يوميا في السيارة في طريقنا من سوندسفال إلى تيمرو، تلك البلدة النائية و الباردة جدا، حيث كانت تعيش عائلة حبيبي السابق. الطرق كانت مغطاة تماما بالثلج. كانت الأشجار ملتفة بالصمت و البيوت مغمورة بالبياض… كانت الأغنية تبعث الدفء فيّ و في كل شيء حولي، كانت أبرد أيامي في السويد. ربما كان خليطا من وحشة البلدة و الثلج و ارتباكي من حبيبي الذي أصبح مملا أو بدأت أضعه بدون وعي في سلة الملل، لم أعد أحبه و قررت الانفصال بعد عودتنا إلى استكهولم مباشرة.
أما الأماكن فلا يمكنني التخلي عنها، أذكر جيدا عندما أوصلني صديقي إلى المطار و عند البوابة بدأت أبكي بشدة و أقول بصوت متقطع ´لا أريد العودة، أريد أن أبقى في روما. ´ كان الوقت الرابعة صباحا، و كنا قد عدنا من سهرة طويلة في بار اسمه التانغو الأخير، شربنا كثيرا و حتى الآن لا أعرف كيف قاد صديقي السيارة إلى المطار و هو سكران و ما زلنا على قيد الحياة؟. دفعني صديقي إلى البوابة ليتخلص مني و يذهب إلى بيته الذي يبعد ساعتين. بعد ذلك اليوم، تعب أصدقائي مني و من قصصي التفصيلية عن يومياتي في روما. كل الأماكن التي أذهب إليها، لم أتخلى عنها أبدا. لقد أضافت إلى حياتي جزءا مفقودا، لا أتخيل نفسي مثلا بدون الذهاب إلى مقهى كلانغ و لا أريد تخيل حياتي في مدينة لا يوجد فيها ثلاثين ألف بحيرة.
ها قد مرّ سنة بأكملها على عدم الكتابة و التعليم. كنت قد أصبت بالاحباط الشتوي و قررت أن أبدأ شيئا رائعا، لذلك التحقت في برنامج صناعة الأدوية و بدأت بدراسة الكيمياء و الميكروبيولوجيا و أشياء أخرى ليس لها علاقة أبدا بخلفيتي التعليمية و المهنية. لازلت أدرس جاهدة لأنتهي من البرنامج و أسحب روتيني من جذوره لأغيره.
قضيت اليوم نصف النهار في شركة فايزر المصنعة للأدوية، كانت المسؤولة عنا تشرح لنا بالتفصيل عمل كل آلة و تكاليف ذلك الفلتر و تلك المواد الكيماوية… ساعات تمر و أنا أستمع و أنظر بدهشة كبيرة إلى تلك الآلات و المواد التي بدت لي معقدة و ثمينة. و بينما أخلع ملابسي الخضراء المعقمة و أضع الكمامة على الطاولة، فكرت هل هذا مكاني؟ أيمكن أن أقضي ليالي بين تلك الآلات الضخمة. فكرت أيضا أنني لا أريد أن أمضي أيامي في المختبر أستخرج أخطاء العينات و أشارك في صنع الفراغمين الخاص بدواء السرطان… بدا لي كل شيء ضبابيا و يحتاج إلى قطعة قماش كبيرة كي تمسح ذلك الضباب المبلل.
أخذت القطار السريع و عدت إلى البيت… خلعت ملابسي العادية و ارتديت بيجامة. أشعر بأن ذلك العمل ممل و يجب أن أعود إلى الكتابة.

المنتحرون الشجعان

في السويد تحدث حالات انتحار هائلة، و لكن لا أحد يعرف عنها شيئا، لأن الصحف لا تتكلم عنها، و لأن الشرطة لا تعطي أية تفاصيل عن تلك الحوادث المروعة و الحزينة. يمكن لأي شخص أن يدرك أن أحدا ما انتحر في هذا أو ذلك المكان عندما يمر من فوق الجسر و يجد بأن البلدية قد وضعت على جوانبه أسلاكا شائكة طويلة، السبب واضح، أكثر من شخص ألقى بنفسه من فوق ذلك الجسر، لقد أنهوا حياتهم بالسقوط في بحر البلطيق، في البحيرات المتجمدة أو على السيارات و القطارات..

قبل أيام مررت من على جسر في فليمنغاتان، رأيت شابا يتأمل القطارات بغرابة، بسرعة فكرت بأنه ربما يخطط بالانتحار، شعرت بالخوف، و لكن جوانب الجسر كانت مسيجة، آه شعرت بالارتياح.. في نفس اليوم مررت من على جسر آخر فوق بحيرة، لم يكن مسيجا، نظرت إلى الماء و كان بامكاني رؤية نهاية العمق، حيث الرمل و الحصى، إذن تلك البحيرة ليست مكانا جيدا للانتحار، إنها تحفظ الحياة بعمقها الضئيل، الأعماق التي بلا نهاية هي التي تغري المنتحرين..

أمس كانت الأخبار من الجانب الآخر من العالم، هناك، من غزة أتت، من المدينة التي نشأت فيها بكل تدهور الأيام و بؤس الحياة.. شاب جميل كان يكتب القصص و ينتحر بفشل بشع، و لكن فقط أمس نجح في الانتحار و ذهب إلى تلك الأعماق التي تشبه بحيرات السويد في ظلمة الشتاء. نعم، لا أريد أن أضيف شاعريتي لوصف انتحار ذلك الشاب، لأنني أبتعد عن الرومانسية عند الكتابة، كي أكون أكثر صدقا و اقناعا. المهم، الشرطة و الجيران و الصحافة و ناس المدينة و الفيس بوك و الكل ضجّ بقصص و أخبار انتحار الشاب، كيف انتحر، و انتشرت التفاصيل و الكل عرف بالضبط كيف و لماذا و متى..

الفرق بين الانتحار هنا و هناك، أن الشرطة و الصحافة تتمنع عن الادلاء بأي انتحار حدث، حتى أنهم لا يفصحون عن أعداد المنتحرين، أسماءهم، أو أي شيء آخر.. السبب بكل بساطة، إنهم لا يريدون أن يلهموا اليائسين و البؤساء الشجعان بطريقة لانهاء حياتهم. يجب أن لا تؤثر قصص المنتحرين على بقية الناس الذين يعانون من كآبة أو أزمات حياتية. احتفظوا بقصصهم الحزينة و حاولوا تنظيف المدينة من أسباب الانتحار.

شجرة التوت

شجرة لا أستطيع نسيانها.. شجرة التوت التي كانت في مزرعتنا. كنا ننتظر عطلة الصيف بفارغ الصبر كي يربط لنا أبي حبالا متينة في أحد جذوعها، و يضع في المنتصف وسادة و تصبح أرجوحتنا طيلة الصيف الحار. كنا نستيقظ قبل شروق الشمس و نتسلل إلى المزرعة لأجل التمرجح و تسلق الشجرة لقطف التوت، و صناعة الكيك بالرمل الطري من كثرة الندى. و لكن كل ذلك انتهى حين تشاجرنا و اكتشف أبي سر اختفاء بيض الدجاجات، لقد عرف أن أختي كانت تكسر البيض و تخلطه بالرمل الندي لتصنع الكيك لنا، و عرف أن أخي كان يقطع الأسلاك الصغيرة من قفص العصافير كي يصنع نظارات لي لأنني كنت أمثل دور القارئة الجدّية.. حمقى، لقد كسرتم تعبي. لم يفهم أحدنا شيء، كنا خائفين من غضب أبي، و لشدة الخوف تخيلت أن أحبال الأرجوحة سوف تتحول إلى مشنقة. عاقبنا أبي باغلاق المزرعة، و انصرفنا جميعا إلى البيت و عدنا إلى لعبتنا القديمة نبني خيما من الوسائد و الأغطية و الفراش الاسفنجي.

قصة أهم يوم في حياتي

لماذا أكتب بعد كل هذا الغياب؟ هل لأنني أشعر بأن الله يحبني جدا, و أن أهلي ما يزالوا على قيد الحياة؟. هل أكتب الآن, في هذه اللحظات المختلطة بالسعادة و الحزن, فقط لأنني بحاجة إلى الكتابة, كأسي الوحيد من نهر الحياة المتدفقة..

سوف أبدأ الآن بسرد قصة أهم يوم في حياتي, إنه ليس يوم زواجي أو يوم موت أحدهم.

حدث كل شيء بسرعة. في مدرسة صلاح الدين, في الصف الرابع ج.. و بعد محاولات يائسة في النوم, تلقيت اتصالا من رقم مجهول, فتاة تعتذر لي عن الاتصال في هذا الوقت المتأخر من الليل, و تخبرني بارتباك “استعدي, يجب أن تكوني في مركز الأمم المتحدة صباحا عند الساعة الثامنة”. مكالمة هاتفية غيرت كل شيء, الحكومة السويدية سوف تنقل رعاياها من غزة, و أنا ماذا أفعل؟ كيف أترك أهلي في الحرب, و أسافر إلى بلد الأمن و السلام في وقت غير لائق بتاتا.. لم أنم تلك الليلة, الأفكار تزاحمت في رأسي, و المشاعر تحولت إلى أشباح ترعبني.. كنت خائفة جدا من الحرب, من الصواريخ التي لازلت أذكر كيف سقطت خلف خطواتي و أنا أركض أركض أركض نحو اللاشيء, فقط أركض بجنون, و الركض لن يحمي روحا من قذيفة حربية قد تنفجر في قدمك أو في جسدك.. و لو كان للشوارع أن تصرخ, لصرخت و بكت و شقت نفسها لتبتلع الناس الهاربيين من القصف و تحميهم من الموت أو من الجراح أو حتى من تقطع الأجساد و من الشلل.

قررت أن أذهب إلى مركز الأمم المتحدة, و هذا أيضا يتطلب مخاطرة بالروح, لأن القصف في كل مكان, و لا يوجد ثمة كائن حي في الشوارع.. كانت أمي و أبي و أختي معي في الصف حين كنت أرتدي ملابسي المتسخة و أستعد للسفر, كنت أرتجف, كنت أحاول أن أبدو طبيعية أمامهم. عانقت أختي و بقيت متشبثة بها و أبكي, و لكنني تركتها هناك هي الأخرى مع دموعها, و رافقني أبي و أمي إلى بوابة المدرسة, جلسنا ننتظر سيارة الأجرة التي ستنقلي إلى مركز الأمم المتحدة, و حين سمعت صوت السيارة في الخارج, بدأت أبكي دون توقف, عانقت أبي بشدة و دموعي تسيل على كتفه و أسمعه يقول لي بصوت حزين “ليش بتعيطي, انتي أحسن منا, طالعة من الحرب, الله يوفقك يبنتي..”, ثم عانقت أمي و لم أستطع فك ذراعي من عناقها, كنا نبكي نحن الاثنتان. ثم مشيت إلى السيارة دون أن التفت ورائي, لم أكن أمتلك تلك القوة كي أنظر إليهم مجددا فأقع باكية.

وصلت المركز بسلام, و هناك وجدت نفسي محاطة بأشخاص يرتدون ملابس بيتية, كلهم بدا عليهم التعب و الحزن, كانت عيونهم منتفخة من البكاء و من قلة النوم.. جلس إلى جانبي طفل على وجهه جروح بسيطة, و لكنها ستظل عميقة إلى الأبد, كانت أمه و اخوته الآخرين في الباص, قالت أمه للجميع “انتبهوا, اذا سألكم الجنود عن الخدوش في وجوهكم, قولوا أنكم تشاجرتم مع بعضكم, لا تقولوا أنها من القذيفة التي سقطت في غرفتكم..”. يا إلهي, الأم توصي أولادها وصايا ضعيفة, مهزوزة, إنهم منهكون و قلقون على أرواحهم..

سار الباص بنا إلى معبر إيرز و كانت خلفنا و أمامنا سيارات الأمم المتحدة, و أعلام و إشارات ضوئية ترفرف فوق السيارات في إشارة للطائرات الحربية فوقنا إلى أننا أوروبيين و متجهيين إلى إسرائيل. رأيت من خلال النافذة التي أسند رأسي إليها ناس من حي الشجاعية يركضون باتجاه المدارس, حفاة و على ظهورهم فراش و أغطية عشوائية.. و في الطريق إلى معبر إيرز شاهدت حجم الدمار الهائل الذي أصيبت به المدينة, البيوت المهدمة, الدماء التي لم تجف على الحجارة و زجاج النوافذ المهشمة.. كانت مدينة منقلبة رأسا على عقب, مدينة فقدت كل ما يمكن وصفه بالحياة.

( يُتبع..)

من يوميات امرأة نحيلة

لا أحب الطبيخ, يمكنني العيش على صحن أرز بالذرة و قطع الجزر, أو معكرونة بالجبن

الطبيخ عدو معدتي.. الطعام كله لا أحبه.. و بالتالي تأتيني المصائب حين أمرض و يلزمني الطبيب بدواء معين يجب أن أتناول الطعام قبله بساعة أو ساعتين..

فماذا آكل؟

حين أقع في الحب لا آكل أبدا, حتى انني أنسى المعكرونة بالجبن, و لا أطيق رائحة الفاصولياء و هي تنضج على النار.

مرة اشترت لي أمي من الصيدلية حبوب فاتح للشهية, يومها تعاطفت مع مشاعر أمي القلقة تجاهي, أخذت حبة و بالفعل انفتحت شهيتي و التهمت الأخضر و اليابس, و لكن المشكلة كانت آثار تناول الحبوب و هي النوم لساعات طويلة, مما دفعني للتخلص من شريط الدواء بتذويبه في المرحاض..

بعد أسبوع جاءتني أمي بدواء جديد من طبيب مختص, كان حبوب الفيتامينات, رائحة الحبوب كريهة جدا لدرجة أن معدتي كانت تتلوع و بالكاد تلفظ ما بها.. و لكنني بالرغم من ذلك أجبرت نفسي على تناول الفيتامينات لسبب واحد و هو ابراز معالم جسدي بعد أن شارفت على الاختفاء..

صرت أتناول الفيتامينات يوميا و بالتالي كنت أميل لأكل الطبيخ و لكن مع أفراد الأسرة كي أتحفز لتناول الأكل..

الطعام ليس شهيتي, هنالك الموسيقى الروسية و العربية و الأغاني التي تخرج من حناجر الذين يقطنون تحت خط الاستواء خصوصا أمريكا اللاتينية.. كل ذلك طعامي المفضل, أضف إلى ذلك الروايات و النصوص ذات النكهة الخرافية الطالعة من كهف رطب بنبيذ الجبل و الوادي ..

(* الأمر تغير هذه الأيام )