زر اخفاء

أكتب عن الحرب و أنا جالسة في مقهى نيرو وسط استكهولم.

منذ سنة أصبحت كيس بطاطا يتنقل من صوفا إلى أخرى، حتى في مقهى نيرو وجدت صوفا و صرت من رواده المعروفين.

طلبت كوبا عملاقا من الكابتشينو بحليب الشوفان،

لا أعاني من حساسية الحليب

أحب الشوفان لأنني اكتشفت أنني أفضل طعمه.

هنا يمكنني تجربة أشياء جديدة و استبدالها بما اعتدت عليه. لدي فرص كثيرة، على عكسكم في غزة.

أقضم كعكة القرفة بالهيل، طعمها يشبه قِدرة أمي.

يستخدمون الهيل مع الحلوى و ليس مع الأكلات مثلكم.

لقد انتهت الحرب

نسيت متى

فأنا أتابع الأخبار من خلال اتصالاتي بأمي

من جهتها لم يكن هنالك أي حرب

دائما تطمئنني ‘الحرب مستمرة، عن أي هدنة يتحدثون؟ هناك حرب واحدة بدأت منذ زمن بعيد و لم تنتهِ و لم يحدث غيرها حروب..’

أنتم الآن تأكلون قلوبكم من الوجع

و أنا أكتب عنكم بكل سلام

لقد نملت مشاعري كي أستطيع الكتابة عنكم

هل جميعكم مصاب مثلي ب PTSD ؟

الطائرات تذكر صديقي السويدي بعطلة الصيف و السفر إلى مايوركا

بينما تذكرني الطائرات بموعد القتل و التشريد

لقد مسحت صوركم من هاتفي

و ضغطت على زر الاخفاء في فيسبوك كي لا أرى الدم يوميا..

أعرف يمكنكم فعل ذلك

لكنكم لن تستطيعوا مسح الدم و البيوت المدمرة من على جنبات الطرق التي تمرون عنها يوميا..

استراحة من الحرب

أعلنوا ايقاف النار،
أما الناس فيقولون ‘انتهت الحرب’
نعدّ الحروب واحدة وراء الأخرى
هي حروب طالما هنالك قتلى
بيولوجيا و فيزيائيا

يعطونا استراحة
لنلملم أشلاء أحبتنا
و نضمد جراح أجسادنا و عقولنا
نفكر باليوم فقط
استيقظنا من النوم
هل حقا مرّت ليلة بدون صواريخ؟
كأنه حلم أو كابوس
أن تستيقظ و يختلط الواقع بالخيال
هل أنت في غرفتك و على سريريك؟
هل صوت الطناجر التي تعد أمك فيها المقلوبة
هي صوت طناجر أم قنابل؟

غدا سوف نبدأ من جديدة
رحلة علاج الذاكرة و الصدمات
هنالك عشرات الكدمات الزرقاء في رؤوسنا
الدم محتبس عند أطراف الأكتاف
توجعنا الأكتاف كثيرا
حملناها رعبنا
و أغرقناها بدموع أطفالنا
و فوق ذلك أتعبناها بحقائب الهروب
في كل مرة هددوا بالاخلاء و القصف.

أنتم تأخذون جولة تفقّد الأماكن
كأنكم نزلتم من كوكب آخر
أليس هذا الركام بيت صديقنا؟
لا هذا ركام قلب صديقنا..
أما أنا
فأفتح جوجل مابس
أتجول في الخطوط المرسومة
إنها نفس الخطوط في الحرب و السلم
كأنها خريطة تجريدية
لعالم آخر
أتتبع الخطوط حتى أصل بيتي الذي نجا..

مقهى سينامون

لما العجلة

و الصباح في أوله

كنت أخطط لفطور بطيء

في مقهى سينامون

هل تعرفه؟

يقع في هورنشتول.

هنالك يقدمون قهوة عادية

و شطائر محشوة بالجبن و رقائق الخنزير المدخن

كلانا يحفظ الأغاني النازلة من الشرفة العلوية للمقهى

نفس الأغاني منذ بدأنا حبنا

يجب أن نكتشف الشخص القاطن

وراء تلك الشرفة

و يترك قائمة الأغاني مشغلة

لمرتادي المقهى

لا بد و أنه شخص يشبهنا؟

ألسنا بحاجة إلى صديق

نعرض عليه الذهاب معنا

إلى بار أو أي مكان آخر

و نجد له حبا

لنثبت أن لدينا خبرة جيدة

و نجني أصدقاء أكثر؟

بعد السادسة

سيفتح النادل الباسم باب المقهى

لنذهب قبل الجميع

نطلب الشطائر قبل أن يخرج الخبز من الفرن

فيما نجلس متلاصقين

نفرك يدي بعضنا من البرد

نفرك حبنا المستعجل…

تعب الأشجار

يمكنك البقاء ليوم آخر
لا تتردد في تغيير ملابسك
لديك بيجامة رمادية
طويتها و وضعتها في خرانتك كما المعتاد
كانت متسخة قليلا
من قدمي قطي الخجول…

في عمق النهار
تغرق أنفاسك
أعرف أنك تريد البقاء
فاتورة الكحول
يداك المرتجفتان
عيناك الغائبتين عن وجهي
كل شيء يفصح عن رغبتك.

سأترك الشقة حتى المساء
سأتمشى حتى تتعب الأشجار مني
و خلال ذلك
لا تفكّر بي
أخرج الصحون من الجلاية
تذكّر كم من وجبة أعددتها
كل عشاء جمعة
كنت بارعا في الطبخ و تزيين الصحون.

يمكنك البقاء
ليوم آخر
يمكنني التمشي
حتى تتعب الأشجار مني..

شوارع الأسماء المهمة

أمر يوميا عن شوارع كثيرة

لكل شارع اسم خاص

يدل على شيء قديم

أو يحمل ذاكرة ما.

أفكر بالأسماء

و أخترع قصصها

فمثلا شارع زوجي وسائد

كلما مررت عنه

رأيت بيتا مربعا

يبدو و كأنه صندوقا خشبيا

هنالك عليّة

بشباك زجاجي على طول الحائط

يمكن للمارة أن يروا وسادتين

مرميتان على جانبي الشباك

كأنهما ستائر منتفخة تخفي حياة مترددة

تتكون في تلك العلية

شارع مدخنة الخبّاز

كان يعج بالأطفال

فهو مليء بالبيوت الكبيرة

يعني أنها ليست لأشخاص وحيدين

بدون أبناء، أسرة و دفء

يذهب الآباء كل صباح سبت

لشراء الخبز الطازج لأطفالهم

بينما تحضر الأمهات القهوة و عصيدة الموز.

شارع القمح

لا يوجد به شيء يدل على أنه كان حقل قمح

و ليس هنالك أي طاحونة

ربما انعكاس الشمس على واجهات الجدران الصفراء

و صبغها باللون الذهبي

يوحي بلمعة ذهب القمح تحت الشمس…

شارع ثماني أغنيات

ماذا أقول عنه؟

يمر عنه كل يوم امرأة

امرأتان

ثلاث… ثمانية

وحيدات

من بلدان مختلفة

أكاد أجزم أنني أعرف أوقات خروجهن بالترتيب

واحدة تلو الأخرى

من أبواب متناثرة على جانبي الشارع

الشارع قديم

لكن تلك النساء يافعات

أتين بعد اسم الشارع بزمن طويل

كأنهن امتداد لثمان أغنيات

يتجددن على شكل نساء وحيدات

من بلدان مختلفة.

المحظوظون

كل الأغاني السعيدة و الحزينة

التي يسمعها الناس في بيوتهم

في الشوارع

في محال الملابس

في السيارات

كل تلك الأغاني تكون هناك

من أجلنا

نحن المحظوظون بالضياع

فقدنا أوطاننا

و وجدنا أوطانا أكبر بكثير

أعطتنا حرية

و أطلقت جمالنا

و دفعتنا بأيدٍ ضخمة نحو الخوف

لم نعد نخاف من ظلالنا

كما كنا من قبل

ظلالنا التي كانت تمتد تحت شجر الظلام

أيتها الأغاني

انتشري أكثر

في كل الأماكن

و انتظرينا

لأننا أتينا من دون خطط

غير النجاة.

شارع اسمه طويل جدا

مرّة قطنت في شارع قصير
لكن اسمه كان طويلا جدا
أطول من أي كلمة يمكنكم تصوّرها
حتى انني لم أستطيع كتابة اسم الشارع
كلما سألني أحدهم عن عنواني
قلت لا أعرف
و ظنوا أنني بلهاء
لكنني حقا لم أعرف حتى كيف ألفظ أول حروف من الاسم
لو كان لدي وقت كاف
لتدربت على اسم الشارع
كان وقتي محدودا جدا
كنت أزجه في العمل
و ارتياد مقاه أحببت ديكورها أكثر من القهوة
و لأن النهار كان طويلا في ذلك الوقت
كاد أن يكون أطول من اسم الشارع نفسه
كنت أفضل أن أمشي من محطة القطار
إلى بيتي ببطء شديد
إلى أن تختفي خطوط الضوء البرتقالية المرمية من جهة ما من السماء
لم يكن ضوء الشمس كما قال جيراني
كان ضوء فقط
لم يوجد ما هو حقيقي و معقد أكثر من اسم ذلك الشارع
المهم، منذ أن انتقلت للعيش في شارع آخر
صارت كل الأسامي طويلة
و لا يمكنني أبدا لفظها من فمي أو من ذاكرتي.