نعمة الجوع

( من ترجمتي لمقال للكاتبة سادي ستين، مجلة ذا باريس ريفيو.. اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي)

cookout

كان ذلك في أوج شهر آب عندما طبخت له للمرة الأولى.. كانت طبخة بسيطة جدا مكونة من السلطة و معكرونة الباستا و بعض حبات الخوخ المشوية التي تقدم مع الآيس كريم. لم يكن ذلك مميزا, مع ذلك بدا و كأنه أحب الطعام. كان يخيل إليّ أنه مكتوب على الجدار قبالتي: هذا الرجل يأكل ليعيش, و ليس العكس.

غالبا ما أقوم بمراجعة طبختي السابقة ( قد يبدو ذلك سخيفا بالنسبة إلى البعض),أختبر شهوتي, ثم أخطط لطبخة جديدة.. و لكنني هذه الأيام المتعبة, عندما يسرقني المرض, أتذكر رائحة الطعام المنبعثة من الافلام و الكتب و التي تكون أفضل من أي رائحة أخرى.. وقتها تكون المدينة مرتبة روحيا و بمنطقية حسب الحلويات و الهامبرغر, متخذة من عيدان المعكرونة اشارات و دلالات..
– التجول في المدن قد يكون فرصة لتذوق طعام جديد, و اكتشاف شهية أخرى و الاقدام على التجربة بعمق..

ايريس مردوخ, واحدة من الكتاب الجادين القلائل, لم تنكر عراكها مع معدتها و حبها تناول الطعام بكثرة: “بالطبع القراءة و التفكير مهمان, يا إلهي, و لكن الطعام أيضا مهم.. كم نحن محظوظون لأننا كائنات تأكل.. كل نوع من الطعام لا بد و أنه علاج و بالتالي علينا أن نشكر اليوم الذي يمنحنا الجوع و الحاجة إلى هضم طعام ما.”

مرة أحبطني أخي بشكل بائس عندما كان يصطنع السعادة و يتمنى أنه فقط لو يستطيع تجرع حبوب يمنعه عن الطعام, أشفقت عليه, كيف يريد أن يعيش بدون شهية.. والدي أيضا لا يبالي بملذات المائدة!, و لكنها لطالما كانت حيلة فاشلة, لا سيما عندما ألاحظ شغفه بطعام الشيف بوياردي, و المحار المدخن, و بعض علب الغذاء الخاصة بالأطفال ( واضح ذالك عندما نكتشف العلب الفارغة المرصوصة على الطاولة).

الرجل الذي ذكرته قبل قليل, سوف يلعب دورا مهما في حياتي, على الأقل انه رجلا ليس من ذلك النوع الذي يتخذ شعار “الغذاء طاقة”. يجتهد ليكون كل شيء, تعجبه طبخاتي, يحب سمك االتاكو بالقدر الذي يحبه الرجل التالي, لكنه في الواقع لا يعطي الأمر أهمية.

لا شك و أن أدب الطعام يطفح بمعاناة الذواقين و خبراء المطبخ, بداية من روخ ريكل التي تكره خبراء المأكولات ( اقرأ التفاصيل في كتاب: التفاح عزائي ), و اماندا هاسير و السيد لاتي ( الطبخ للسيد لاتي), و جولي باول و زوجها (جولي و جوليا), و تمسن دي لويس, و العاشق في “أين سوف نتناول العشاء؟”.
– ما المأكولات التي يتناولها زوجان سعيدان و منسجمان مع بعضهما البعض.

أحزان الكاريبي الثائر على الطبيعة

* ترجمة كوثر أبو هاني

 

ديريك والكوت
ديريك والكوت

يعد ديريك والكوت واحد من أبرز الأصوات الشعرية القادمة من جزر الهند الغربية مثل كاماو براثويت و أنتوني كيلمان, حاز على جائزة نوبل للآداب عام 1992, و كان ذلك حدثا أسطوريا يتوج به شاعر كاريبي من جزيرة سانت لوشا. ولد والكوت عام 1930, كتب المسرحيات إلى جانب كونه شاعرا و محاضرا في الكتابة الابداعية. يتميز أسلوبه بالرقة و القسوة في آن واحد, و تتجلى في قصائده حياة الكاريبي في المناخ الحار و تراكم التاريخ المفجع الذي ضج بالاستعمار و العبودية. إلا أنه بالرغم من ذلك نمر بالكثير من القصائد المرهفة و الصور الجميلة المنتقية بمهارة و إحساس رومانسي يذكرنا بشعر العصر الإليزابيثي. من أبرز دواوينه: منتصف الصيف, مملكة التفاح النجمي, أوميروس, طيور البلشون الأبيض, و غيرها الكثير.

حب بعد حب

سيأتي وقت
تستقبل فيه نفسك بسعادة
عند الباب
و أمام مرآتك
و يبتسم كلاكما لترحيب الآخر..

و تقول لنفسك اجلس, كُل.
ستحب مرة أخرى الغريب الذي كنته.
ستقدم له النبيذ
و الخبز
ستعيد قلبك
إليه,
للغريب الذي ظل يحبك
طوال حياتك,
الذي تناسيته لأجل آخر
يحفظك عن ظهر قلب..

التقط رسائل الحب
من رفوف المكتبة,
الصور و المذكرات الحزينة
قشر صورتك القديمة عن المرآة
و اجلس محتفيا بحياتك.

قصب سكر البحر

نصف أصدقائي ماتوا.
سأخلق لك أصدقاء جدد (قالت الأرض)
صحت: لا, أعيديهم إليّ
كما كانوا,
جميعهم
و بكامل خطاياهم..

يمكنني الليلة سماع أصواتهم
تتسلل إليّ من خلال أمواج البحر
المتكسرة بين أعواد القصب..
فيما أمشي وحيدا
بين أوراق المحيط المضاءة بالقمر
أسفل الطريق الضبابي
ولا أستطيع التحليق
مثل بوم حالمة
تتحرر من ثقل الأرض.

آه أيتها الأرض
أصدقائي الذين ابتلعتهم
أكثر من الذين سأحبهم.

قصب سكر البحر
اللامع بين الفضي و الأخضر
كانت أعواده مثل رماح النار* في إخلاصي
انبعث من رماده شيء أقوى
يحمل حكمة حجر مشع
يضيء القمر
أبعد من الخلود..لا ينطفئ
جامح كالريح
التي تقصم أعواد القصب.

أعيدي الذين أحببناهم قبل أن نحب أنفسنا
أعيديهم كما كانوا
بكامل خطاياهم
حيث هنا
كانوا
أقل طهرا.
_____
* في إشارة إلى السارافيم, و هي مجموعة من الملائكة موجودة في الأديان الإبراهيمية, و في اللغة العبرية تعني النار.

 

حزن في شهر آب

حياة فائضة
مطر غزير
مثل هذه السماء المتورمة
في آب الحزين..
فأختي الشمس راقدة في غرفتها الصفراء,
و لن تبرحها.

كل شيء في طريقه إلى الجحيم
الجبال يتصاعد منها دخان
مثل بخار المياه حين تغلي..
و الأنهار تتدفق
إلا أنتِ يا أختاه
فقط
لو تشرقي
و توقفي هذا المطر.

في غرفتها,
تتحسس أشياءً قديمة..
قصائدي
تقلّب صورها
و بالرغم من ذلك
يدوّي الرعد
مثل تحطم صفائح ارتطمت في السماء.

لم تأتِ يا أختي..
ألا تعلمين أنني أحبك
و أنني عاجز عن إيقاف المطر؟
ها أنذا أتعلم بصبر
كيف أحب الأيام المظلمة,
و التلال المغمورة بالبخار,
و الهواء الملوث بطنين البعوض
و أن أتذوق المرارة..

عندما تبزغين يا أختي
و تفرقين حبات المطر
بجبينك المورد
و عيونك الغفورة؛
سيتغير كل شيء..
لكنها الحقيقة
– لن يدعونني أحب كما أريد-
سوف أحب الأيام المعتمة
مثل الأيام المشرقة
و أفتن بالمطر الكئيب
و التلال الضبابية
مثلما حدث أن أحببتكِ و امتلأتُ بالسعادة.