الألم مجرد روتين سيء

Zinkensdamm


استمر ألم رقبتي لشهر، خمنت أن سبب الألم هو طاولة المكتب، فغيرتها، ثم غيرت الكرسي إلى كرسي مخصص للعب لأن حجمه ك يناسبني، ثم غيرت وسادتي، كدت أغير العالم من أجل رقبتي.

حدث نفس الألم العام الماضي، ذهبت إلى الطبيب، قام بفحصي و استنتج أن الألم مجرد روتين سيء و أعطاني حبلا مطاطيا مع بعض التعليمات كي أستخدمه في تمرين و تحريك رقبتي و ظهري. ذهبت إلى الطبيب ثلاث مرات حتى شعرت بالسخافة و توقفت، لم يعجبني أسلوبه بتاتا، قلت لشريكي ‘كان الأجدى أن يرسلني ذلك الطبيب الرقيق إلى فحوصات بدل تمارين المطاط، الأطباء في غزة يقررون المشكلة و العلاج من الجلسة الأولى، لا أحب الأطباء السويديين البطيئين القاتلين’. ضحك شريكي و قال ‘هل أردت الطبيب أن يخترع لك مرضا كي ترتاحي؟’.

أمس قررت أن أحجز بنفسي موعدا مع طبيب خاص ليحل مشكلة رقبتي، قرأت آراء المرضى على صفحة العيادة في جوجل مابس، كانت كلها ايجابية و كل المرضى قيّموا العيادة بخمس نجوم. و بالفعل ذهبت و في طريقي تمشيت تحت المطر مثل تحضير رومانسي، كانت محطة زنكنسدام مملة كالعادة و ما أن خرجت منها حتى تلقفني الشارع المشغول ببعض العجائز، ففي وقت ما بين الصباح و الظهيرة، يكون الناس في العمل أو المدارس، بينما تخرج العجائز للتسوق أو أي شيء…

دخلت العيادة و انتظرت لدقائق حتى أتى الطبيب سيامون، كان يرتدي الكمامة، جيد، نسيت أن آخذ كمامة من صندوق الكمامات الموضوع على طاولة الانتظار، مع ذلك لم يهتم الطبيب. دلفت وراءه مثل قطة، أغلق الباب و بدأ يستجوبني عن تاريخ رقبتي، سردت عليه كل التفاصيل، لم أكن مرتاحة و هو يحدثني من خلف الكمامة، و بينما كنت أشير له عن أماكن الألم في ظهري أيضا، تذكرت أن بثرة صغيرة ظهرت قبل أيام بجانب فمي، كدت أضحك، ربما تذكرت بثرتي البشعة لأنني لو ارتديت كمامة لاختفت، تلك البثرة تشاركني مؤخرا في أفعال كثيرة، إنها تأكل معي و تتحدث مع الناس معي و تعمل معي، حتى أنها تغضب مثلي و تكبر أكثر اذا لمستها… ضحكت أكثر حين تخيلت أن الطبيب يخاطب بثرتي حين قال ‘اخلعي البلوزة و تمددي’.

بدأت يدا سيامون تضغطان على كتفي و رقبتي، قال ‘سوف أستعير ذراعك قليلا.. هل يؤلمك الضغط هنا؟’ قلت ‘لا’، ثم ضغط على رقبتي و كل مكان في ظهري و هو يعيد نفس السؤال و أنا أنفي. قال ‘لا يوجد أي شيء لتقلقي، مجرد تصلب و تحتاجين إلى الراحة و بعض المساج (التدليك)’. ثم فجأة ضغط على جناحي ظهري بقوة حتى سمعت صوت عظامي تطقطق، شهقت بصوت عال، لم يحدث ذلك أي ألم، مجرد سماع عظامي أحدث الرعب في داخلي، لكن سيامون طمأنني و قال ‘الآن ستسمعين صوت عظام رقبتك، هل تسمحين لي بمعاقبتها’. قلت ‘أجل أجل’. كان رأسي متدلٍّ في فتحة مخصصة في نهاية السرير مثل غطاء برميل، تابع سيامون ‘هل التدليك هنا يحدث ألما’. قلت من عمق البرميل ‘نعم، لكن لا يهم’. كرر سيامون السؤال عدة مرات و هو يضغط و يطقطق عظامي، شعرت بأنني يجب أن أوقفه عن ذلك و عليه فقط أن يتابع عمله، قلت ‘أتيت إلى هنا لأنني كنت أريد يدان تدلكان رقبتي بقوة و تعاملانها مثل عجينة’.

خطة لنشر كتابي الأول


سأبدأ يوميتي هذه بشكل كلاسيكي، لأنني على عجلة و أريد أن أذهب لأتمدد في الصوفا أمام مسلسل المكتب الأمريكي. أيقظني تيغَي، قطي غريب الأطوار،  الساعة التاسعة، كان تيغي في مزاج نشط بحيث يقفز فوقي و يضرب رأسي بيده الصغيرة في محاولة لأن أحرك جسدي، خصوصا قدمي، فيهجم عليها و يتعارك مع أصابعي.. أزحت الستائر، أسعدني منظر الشارع العاري من الثلج، و أخيرا ذاب البياض و ظهرت الأعشاب الخضراء و اسفلت الشارع. كنت متحمسة جدا لهذا اليوم.
ذهبت إلى مكتبي الذي انتقل إلى الغرفة المجاورة لجارنا الضفدع، سميناه ضفدع لأنه يستحم ليليلا لساعات طويلة تصل الصباح. قررت أن لا أعمل، اليوم يوم الرواتب و نهاية العمل الشهري (حسب روتين عملي الحر في المحاسبة). إنه يوم أهم من كل ذلك.
أخذت القطار المؤدي إلى هورنشتول، المنطقة التي عشت فيها لسنوات و سرقت قلبي للأبد، فهناك بدأت حيايتي الحقيقية كما لو أنني ولدت في العشرينيات من عمري. كنت مرتبكة و متحمسة، دخلت كلانج، المطعم و البار المفضل عندي. كان ناشري السويدي ينتظرني بابتسامة عريضة. ثم جاء مترجمي السويدي أيضا.. طلبنا بيتزا و نبيذ و بيرة، كان ناشري يعرض خطته بعناية جميلة، و مترجمي يطرح الاقتراحات باستمرار.. خططنا لنوعية الورق و حجمه و نوع الخط و تسلسل النصوص و عنوان الكتاب و التصاميم و كل شيء يتعلق بكتابي الشعري الأول.
سوف أنتهي من تعديل كتابي مع المترجم في عطلة الأسبوع، ثم نرسل الكتاب إلى الناشر الذي بدوره سوف يطبع بضع نسخ تجريبة لأوافق عليها.
هل لديكم اقتراحات أو أي شيء لتقولونه بخصوص الكتاب؟ اكتبوا لي : )
هذه اليومية للاحتفال بيوم سويدي في مكان دافئ لأجل خطة صاخبة.

بار الرجال الخرائيين

صورة معلقة في هانكس هيفين/ تصوير كوثر

انتقلنا إلى هذا الحي الجديد منذ سنة و نصف. حي أسميه ‘أوفي’، لأنه يشبه إلى حد ما أحد الأفلام السويدية في السبعينيات، البيوت واطئة مكونة من ثلاثة طوابق و بدون مصاعد كهربائية، يفصل البيوت أو العمارات حدائق صغيرة فيها مراجيح و مكان مخصص للشواء.
الحي يختلف تماما عن الحي الذي قطنت فيه مسبقا، لا وجه شبه بينهما. فمثلا الحي السابق كان يصخب بحياة الهبسترز و كنت الوحيدة التي أحمل بشرة ملونة لدرجة أن الجيران الشقر جميعهم حفظوني، لم أميزهم لأنهم كانوا كلهم بلون واحد و صمت و خجل متشابه.
لطالما مررت عن بار ‘هانكس هيفين’ ذهابا و ايابا من محطة القطار. البار يقابلني خروجا من جهة اليسار، أمشي إلى البيت و أحمل في مخيلتي شكل البار كما أتوقع من روّاده المتقاعدين و المدمنين الذين نسميهم ‘خيت غوبّار’ (رجال خرائيّون). لا بد و أنه مكان مثل زريبة الخنازير.
في بداية الصيف الماضي، و في طريقي إلى العمل باكرا، رأيت مجموعة من الخيت غوبّار يستندون إلى جدار محطة القطار و عيونهم المتعبة تنظر بتلهف إلى باب البار، بالطبع كانوا ينتظرون الباب ليُفتح لهم بعد ساعة!
لقد استكشفت الحي بأكمله: المقاهي، المطاعم، الدكاكين، المتاجر الصغيرة، القطط البيتية المسموح لها بالتجول في الشوارع… إلخ. و اليوم حان موعد استكشاف بار هانكس هيفين! لقد فكرت بذلك عدّة مرات، الأمر يحتاج التجريب، لم لا؟ ذهبت مع شريكي لتناول العشاء هناك، بضع دقائق حتى وصلنا و دخلنا. كان البار يعج بالغرباء. شاب بشعر أحمر و صديقته بشعر بنفسجي و كلاهما بقصة شعر تشبه ذيل الفرس، يجلسان على نفس المقعد الطويل و يتبادلان القبل، قرب الشباك كان يجلس مجموعة خيت غوبّار يكرعون البيرة و يثرثرون بصوت عال… جيد أننا وجدنا طاولة فارغة، طلبنا بيرة و بدأنا نشربها بينما كنا نتفرج حولنا بذهول! الطاولات قديمة جدا و جلد الكراسي متقشر، صور بعض شخصيات مسلسل فريندز معلقة على الجدران، صورة مارلين مونرو، صورة كبيرة تجمع أول رجال خرائيون ارتادوا البار، صورة أسد…
وصل العشاء، كان سيئا بشكل متوقع. بدا و كأن الطباخ اشترى صوص النبيذ الأحمر من مكان رخيص و سكبه على قطعة الانتركوت الجافة ثم قدمه لي بكسل، لأن ذلك المكان فقط للبيرة الرخيصة و الحياة السريعة المتقلبة بلا مبالاة، تماما مثل أولئك الرجال.. كان المكان يستحق المحاولة، مكان بعيون فاغرة في الفراغ. أمسك شريكي يدي، كان سعيدا جدا، نظر إليّ بعينيه الزرقاوين و قال ‘يجب أن نأتي إلى هنا مرة أخرى، لكن في الصيف، و نجلس في الخارج و نثرثر مثل خيت غوبّار، إنها فرصة للتخلص من الأفكار المهمة’.

كوب غونّار

كيف يفكر الزملاء الذين يحضرون أكوابهم الخاصة إلى العمل؟ يكتبون أسماءهم على أكوابهم، يضعونها في رفّ خاص في المطبخ و يعتنون بها مثل شيء عزيز جدا… مرّة بالخطأ أخذت كوبا يخص أحدهم، في الواقع كان اسمه ‘غونّار’ مكتوبا في الجهة الخلفية للقاع، كان عليّ أن أقلب الكوب لأتأكد من أنه مسموح لي باستخدامه… في ذلك اليوم شربت قهوتي بقلق و لم أستمتع بها لأن صاحب الكوب كان يرمقني (أو يرمق كوبه) طيلة الوقت. بعدها بأيام قررت أن أحضر كويي الخاص و كتبت عليه اسمي بخط كبير، و فكرت بأنه ربما كل تلك الأكواب المخصصة أتت بعد قلق استخدام كوب غونّار، ذلك الشخص الساذج.

قط المزارعين الكئيب

قبل خمسة شهور وجدت قطا على موقع سويدي للبيع و الشراء، فورا تواصلت مع صاحبة القط و كنت على عجلة من أمري، أردت أي قط، المهم قط. رفض كل البياعين بيعي لأنهم اشترطوا أن القط يحي أن تكون له حرية دخول و خروج البيت متى شاء، بينما أنا أعيش في شقة في الطابق الأخير و من المستحيل حتى أن أضع خشبة طويلة جدا تصل بين البرندة و الأرض تعمل عمل السلم لقط المستقبل.

وافقت صاحبة القط بيعي، تبادلنا أرقام هواتفنا و بدأنا التواصل و الاطمئنان على القط، أرسلت لي صورا و فيديوهات للقط و هو يلعب و هو نائم و هو يأكل…

اتفقنا لزيارة القط بعد أسبوعين، حتى ألقي التحية و التعرف عليه. و بالفعل ذهبت مع روبين شريكي. كانت ليسا صاحبة القط تعيش في لامكان، أعني أن بيتها يقع بعيدا جدا، غيرنا أرقام باصات كثيرة حتى وصلنا العنوان المحدد. جاءت ليسا إلى حديقة الحارة التي تعيش فيها، كانت تحمل القط بذراعين مغطيان بالوشوم، كانت حريصة على تباعد المسافات بيننا، وضعت القط على الأرض، كان القط خجولا جدا لدرجة أنه زحف و خبأ رأسه في جاكيت روبين… كنت أود لو بامكاننا مقابلة أم القط أيضا و اخوته الصغار، و لكن ليسا منعت ذلك لاحتياطات الكورونا.

بعد أسابيع قليلة، اتصلت علي ليسا حزينة جدا و أخبرتني أنه بامكاننا الذهاب لأخذ القط في أقرب وقت، لأن أمه قضت في حادث سير. يا للمسكين، قطي فقد أمه في شهره الثاني… ذهبت مع روبين و أبيه لأخذ القط، و فور وصولنا بيتنا، أطلقنا القط… ركض القط الذي سميناه قبل ساعات ‘تيغّي’، ركض مذعورا و اختبأ في حذائي. كان صغيرا جدا، بامكاني وضعه في حقيبة اليد.

لم يغاد تيغي حذائي حتى حلول الليل، كنت قلقة عليه، لم يأكل و لم يشرب، و ربما بال في حذائي؟. لكنه ترك مكانه في الليل و بدأ يتمشى في الشقة و يشم كل شيء حتى أنه شم الجدران. عندما ذهبنا إلى النوم، بدأ يماوي بصوت عال، ظننت أنه لم يعرف أين وضعت له الأكل، فنقلت الصحن و وضعته أمامه، لكنه أطلق مواء مرتفعا كالغضب و فرّ مني…

في منتصف الليل، اقتحم تيغي غرفة النوم، قفز بسرعة على الستارة و تسلقها و وقف في الأعلى و بدأ يماوي بصوت أكبر من حجمه!

كانت تلك أول ليلة مع قط المزارعين، تيغي. صياح و تسلق ستائر! و هكذا لمدة أسبوع… أصبت بالكآبة من سماع صوته و اختبائه في الأحذية و خلف الوسائد. مسكين، فقد أمه و فوق ذلك قمنا بأخذه من بين اخوته.

فكرت بأنه من الأفضل أن أجد حلا لقطي الكئيب الخائف، سألت البيطري عن المشكلة، فقال بأن القط سيتعود على بيته و أصحابه الجدد، ربما سيأخذ حوالي سنة. يا إلهي، سنة؟ القطط أكثر ألفة من أن تمر سنة و هم خائفون من أصحابهم.

اقترح صديق بأن آخذ تيغي إلى طبيب نفساني، قلت له بجدية ‘دلني على أحدهم’. تحمس الصديق و قال بأن له صديقة متخصصة بالطب النفسي للحيوانات. في اليوم التالي عاد صديقي و قال ‘للأسف، صديقتي متخصصة بالكلاب فقط’.

الآن مر خمسة أشهر و قطي لم يتغير. حسنا، تغير قليلا، صار يرفع ذيله عندما نضع له الطعام! كأنه يقول ‘شكرا’.

في صباح الخميس الماضي، استيقظ قطي على فاجعة اختفاء صحونه، نظر إلي مصدوما ‘أين خبأتم صحوني؟ أين الطعام؟’. كان ذلك من أجل عملية الاخصاء التي ستتم بعد الظهيرة.

عاد قطي الصغير إلى البيت مخصيا، ما زال كئيبا و خائفا. كنت بالمقابل أكثر كآبة منه. كأنني جلبت لنفسي المتاعب. بدأت ألقي اللوم على ليسا، تلك المرأة الغبية التي لم تسمح لي بلقاء عائلة قطي. ليس لدي أدنى معرفة كيف كان قطي مع عائلته، هل كان سعيدا

و اجتماعيا؟ هل كان منبوذا و وحيدا؟ هل عاملته ليسا معاملة سيئة؟ لم يعتنِ به أحد جيدا؟

الآن قطي، قط المزارعين، يجلس على الكرسي في المطبخ، ينظر إلى تحركات أقدامنا و يستعد لمهاجمة أي أحد يقترب منه.

استراحة الشياطين المجانين

في أحد الليالي السويدية، في عز دين الشتاء، ثلج ذائب و تشعر أنك بجرد أن تخطو فوقه يتحول إلى جليد و تكاد تنزلق و تقع على الأرض البيضاء اللامعة…

كنت أمر بحالة الاحباط الشتوي و الملل و التذمر من عملي. قررت في ذلك اليوم أن أذهب إلى أمسية شعرية نظمها شبان سويديين. قلت لنرى كيف يقيمون الأمسيات الشعرية، أولئك المغمورين الشقر. حتما سأحبهم، دائما أحب الذين لا يعرفهم أحد و يكونوا بعيدين عن الشلل و المعارك. أيامها كنت أشعر بالوحدة و ربما تكون تلك فرصة لايجاد شاب شاعر مغمور أخرج معه إلى موعد و يخفف وحدتي قليلا حتى قدوم الصيف.

كانت الأمسية في يوم السبت الصغير، و هو يوم منتصف الأسبوع، حيث يحتفل السويديين بانقضاء الشوط الأول من الأسبوع.. كان القطار المتجه إلى محطة الأمسية يعج بالمراهقين الذين اشتروا علب البيرة أو زجاجات النبيذ أو حتى أكياس الشيبس.. شعرت بأنني الوحيدة المتجهة إلى مكان جدّي.

كان المكان يبعد عن المحطة بضعة دقائق. في الممر المؤدي إلى قاعة الأمسية كان يوجد ماكينة بألوان زاهية لشراء الكوندومز. ابتسمت، يا له من ترحيب!. كان صوت الشبان يصلني من الداخل مليئا بالحماس، كنت متأخرة قليلا، لم أعرف متى بدأت الأمسية. وجدت كرسيا قرب مجموعة شباب يتوسطهم رجل في الخمسين بلحية مجدولة و مصبوغة باللون الأسود.

ألقى الشاعر الأول قصيدته الرومانسية، لم أحبها أبدا، لكن في الخلف كان يشجعه أصدقاءه عند نهاية كل قصيدة. أما الشاعر التالي فكان يبكي و هو يقرأ قصيدته التي كانت عن أمه التي تقاعدت قبل شهر عن العمل و الحياة. شاعر تلو الآخر حتى جاء دور فتاة بشعر طويل مربوط على جهة اليمين و ترتدي بنطلون مصنوع من جلد مزيف.. كانت قصيدتها عن الرجال، لقد مسحت الأرض بالرجال و صرخت فيهم جميعا بنفس واحد. كنت مصدومة و لم أعِ ما حدث!. يا فتاة، عودي إلى بيتك مع أصدقائك… يا شعراء عودوا كلكم إلى بيوتكم و احتفلوا بالسبت الصغير، أفضل من تضييع وقتكم في القاء قصائدكم التافهة.

كنت أنتظر أحدهم يصعد إلى خشبة المسرح، آه لقد صعد ذلك الأحد و أعلن عن استراحة لمدة عشرين دقيقة. نظرت حولي لأستكشف القاعة و الحضور و الشعراء الشبان الحمقى المتحمسين الشقر الذين أفسدو احباطي الشتوي أكثر و أكثر. كانوا منشغلين بتشجيع بعضهم البعض. أما الرجل الخمسيني و مجموعته التي بدا و كأنه يرأسها و كان واضح عليهم أنهم مهتمون بالموسيقى الالكترونية، كانوا جميعا صامتين و ينظرون حولهم مثلي.

قبل انتهاء الاستراحة، جاء إلي شاب من تلك المجموعة، سألني إن كنت سألقي قصيدة، أجبته بالنفي، أشار إلى مجموعته باصبعه ‘لا’. شهقوا و حركوا أيديهم بأن أنضم إليهم، ذهبت و بدأوا بالضحك العال جدا.. ضحكت معهم بهستيرية و أنا أقول ‘jävla galningar’ (اللعنة مجانين).

سر مقاس M

سنوات طويلة كنت أحلم بها أن أصبح سمينة جدا لدرجة أنني أخبرت أصدقائي بأنني أتمنى لو ذلك الباب يضيّق على جسدي! كنت ساذجة إلى أبعد أحد.. لكن تعليقات الناس على نحافتي كانت أشد سذاجة، لماذا تنتقد جسد الآخر؟ ماذا لو كانت نحافتي جراء مرض أو اعاقة ما. كان بعض الأصدقاء ينادوني ب ‘بسكوتة’، لم أهتم لذلك و كنت أضيف ‘مغموسة بشاي بنعنع’.

خلال السنتين الماضيتين زاد وزني بشكل ملحوظ، ربما بعد أن التقيت بوحشي السويدي الذي يأكل أي شيء، مرة صرخت في وجهه و قلت ‘قل لي ماذا تكره من المأكولات’، نظر إلي مستغربا و أجاب ‘ممم الجزر المشرح مثل جزر وجبة غداء مدرسة رودين’. انفجرت ضاحكة و تناثر الأكل من فمي على الجدار الخشبي. و يوما بعد يوم كنت أتحول إلى وحشة صغيرة و آكل نفس الكمية التي يأكلها شريكي. حتى أتى صيف الكورونا، و بدأ السويديون يجهزون للاحتفال بمنتصف الصيف. طلبت فستانا من موقع على الانترنت، مقاس S كما اعتدت. وصلني الطلب و كان المقاس صغير على جسدي! ألقيت اللوم على المصممين الذين لم يكونوا دقيقين في المقاسات. قمت بطلب فستانا آخرا من ماركتي المخلصة، زارا، و فكرت بأن هذه المرة يجب أن أطلب مقاسين S و M من باب الاحتياط. جربت المقاس الصغير فاختنقت منه، المقاس الأوسط كان رائعا جدا. فرحت كثيرا لأنني قمت بفكرة طلب مقاسين. لكن، فجأة، و بينما كنت أخلع الفستان، شهقت، ناديت على صديقي، ‘تعال، انظر بسرعة’. سمعته يجري و يقول ‘ماذا حدث؟’. رميت الفستان و قلت ‘لقد سمنت، ألا ترى ذلك؟’. قال ‘لا’، قلت ‘بلى’ و وقفت على الميزان، كان الرقم بالضبط ’55’. لم أزن نفسي من قبل، كنت فقط أنظر إلى نفسي في المرآة بعد ارتداء ملابسي بحجم S. كنت مرتبكة جدا، لا أريد أن أصبح سمينة، كنت بلهاء بخصوص الباب الضيق على جسدي.

بعد احتفال منتصف الصيف زاد وزني كيلو، داهمني القلق، صرت أزن نفسي يوميا عدة مرات خلال اليوم الواحد، الرقم لا يتزحزح عن الخمس و خمسين!. صرت أبحث عن سر المقاس M، ربما خلل في عمل الغدة الدرقية؟ ربما احتباس سوائل في جسدي؟… إلخ

اتصلت على العيادة القريبة من شقتي القديمة، قلت للسكرتيرة ‘أريد أن أحجز موعدا في المختبر’، سألتني ‘ما نوع التحليل الذي تريدينه و لماذا’، ‘تحليل دم، الغدم الدرقية’.

ذهبت في اليوم التالي إلى العيادة و توجهت مباشرة إلى المختبر، سحبت ورقة الطابور و كان رقمي بعد ثلاثة أشخاص، جاء ممرض افريقي و نادى على رقمي، تبعته و دخلت المختبر، طلب مني رقم الهوية ليؤكد قدومي على الجدول في حاسوب العيادة. أزاح رأسه عن الشاشة و طلب مني اعادة رقم هويتي، ثم قال ‘لا يوجد هنا حجز باسمك!’. قلت مستنكرة ‘كيف؟ هذا موعد تحليلي!’. أعاد الممرض كتابة رقمي و لكنه لم يظهر أية معلومات، فاقترح علي أن أذهب إلى السكرتيرة و أستفسر منها عن المشكلة.. هناك، شرحت للفتاة العراقية التي تتحدث العربية المكسرة، و بينما أخبرها بغضب أن الممرض لم يجد معلومات حجزي، كانت الفتاة تضحك و تحاول كتمان صوت ضحكتها، قالت بصعوبة ‘لا يمكنك أن تقرري بنفسك و تذهبي لعمل تحليل دم، الطبيب هو من يقرر مشكلتك و اذا ما احتجت تحليل دم أم لا’. قلت باحتجاح ‘لا داعي لذك، أعرف ما أريد’. لم تستمع إلي و حجزت لي موعدا مع الطبيب بعد ربع ساعة.

لم يكن سواي في غرفة الانتظار، جاء الطبيب و قذم نفسه إلي و أخذني إلى غرفته. بدأ يسألني أسئلة تتعلق بأعراض الغذة الدرقية، و كان كل شيء ايجابيا. ثم بدأ يسألني بابتسامة كبيرة ‘هل تأكلين الشوكولاتة؟ الايس كريم؟ تجلسين كثيرا؟…’. تلك الأسئلة الأخيرة، يا لها من أسئلة، نعم أيها الطبيب، أشارك وحشي كل تلك الأشياء اللذيذة، و مع ذلك أريد تحليل دم. تأمل الطبيب جسدي و قال بصوت ممزوج باللا جدية ‘لا تحتاجين إلى تحليل، فقط راقبي ما تأكلينه و تحركي كثيرا’. ‘لكنني أريد تحليلا، أشعر بأنني بحاجة إلى ذلك’. استسلم الطبيب لطلبي لأن موعد عمله سينتهي بعد دقائق و كتب لي على ورقة قائمة بالأشياء التي سوف أحصل على نتائجها، كمية الحديد و الفيتامينات مثلا..’

في اليوم التالي، اتصل بي الطبيب و أخبرني بأن كل النتائج طبيعية و لا داعٍ للقلق!. سعدت لسماع ذلك، و بعثت رسالة إلى صديقي ‘أنت السبب، ما العمل الآن’.

اليوم، و بعد أسبوع من تنظيم الأكل بحزم و قلق، فقدت كيلو واحد فقط… أنظر إلى جسدي الصغير في المرآة الكبيرة و أقول ‘لمن يصممون تلك الفساتين؟. كم كنت مخطئة تجاه جسدي و مقاساتي السخيفة. من يرتدي تلك الفساتين؟ المصممون و دور الأزياء ينتجون ملابسا تسبب القلق للنساء، ملابس بمقاسات اجتماعية تخرط جسد المرأة و تزهق روحها الجميلة في القلق و التفكير. إنهم يفصّلون حياة النساء على مقاس فساتينهم’.