لأن الشتاء السويدي بدأ كالعادة أول شتاء في العالم، الاحباط ينتشر بسرعة و الأفكار الدرامية تقتحم الرأس بسهولة. قررنا أنا و أختي روز أن نبدد العتمة الطويلة في ليالي السبت، يجب أن نتخلص من شيء اسمه ‘كآبة الشتاء’، أن نحارب برودة القطب الشمالي باغلاق التلفاز و أخذ استراحة من مشاهدة يوميات بيانكا و أفلام الجريمة.. علينا زحزحة مؤخراتنا عن الصوفا و مغادرة بيوتنا.
بالفعل بدأنا خطتنا الجميلة يوم السبت، خرجنا لتناول العشاء في مطعم هندي في صوفو، منطقة الفاشن و الطلعات المجنونة في استكهولم. كانت الساعة السادسة و النصف، لم يكن ثمة حلوى على قائمة المطعم، فقررنا أن نذهب إلى مقهى أمريكي كلاسيكي، طلبنا قهوة و وافلز بكمية كبيرة من الكريمة و الشوكولاتة و الايس كريم و توت العليق. كانت طاولتنا محاذية لباب التواليت، لم نهتم للرائحة الكريهة التي كانت تخرج مع كل صفقة للباب، كانت هناك لوحة معلقة فوق الباب مكتوب عليها ‘ يا للروعة، أنا لا أبالي’.
كان الوقت ما يزال مبكرا، إنها ليلة السبت، و الفتيات يردن فقط المرح. لذلك ذهبنا إلى بار البومة. أوقفنا الحارس و طلب منا اظهار هوياتنا، ثم طلب منا دفع تذكرة دخول. أوكي، هل تردن شراء لوتو؟ سنعلن عن الفائز في الصباح. لا، لا. ثم نزلنا السلالم الحديدة إلى تحت الأرض، كان المكان يعطي احساسا بأنه كان كراج سيارات.. براميل البيرة و المواسير و الأنابيب تستقبل الناس عند زاوية السلم اللولبي الذي أصابني بالدوار. فكرت و أنا أطلب بيرة برلين ‘كيف سأصعد السلالم فيما بعد؟’.
أخذنا جولة سريعة حول البار، كان بوهيميا بشكل شاعري، صديقتي أحلام حتما ستحبه كثيرا إن حدث و زارتني يوما ما. صالة مخصصة للعبة شوفلبورد، صالة لرمي السهام، صالة لألعاب الكمبيوتر القديمة.. و هكذا.
جلسنا إلى طاولة صغيرة في غرفة المشروبات التي كانت تتوسطها طاولة تنس يلعب حولها مجموعة من الشبان مع حبيباتهم كما كان يبدو. كانت روز تجلس إلى جانبي و تشاركني التعليقات السخيفة على اللاعبين السكارى، كنا نطلق نكاتنا بلا رحمة على كل من هب و دب. نظرت إلى روز و قلت ‘أتمنى أن لا تنتهي الليلة بتقبيل بعضنا البعض’ و ضحكنا بصوت عال كأننا نملك البار.
فكرنا ‘لماذا لم نخطط لهذا من قبل؟ كان من الأفضل أن نسأل صديقاتنا و أصدقائنا المجيء معنا و اللهو معنا!، كيف سنلعب شوفلبورد وحدنا؟’. ذهبنا إلى الصالة و وقفنا نشاهد شابين يلعبان شوفلبورد، لاحظنا أحدهما، فقالت روز ‘نغش منكما قواعد اللعبة’. جاء الشاب و قال ‘سهلة، هل تريدان اللعب؟’. قلنا بلهفة ‘نعم نعم’. تحمس الشاب و عرض علينا الانضمام إلى طاولته. كوّنا فريقين، ذهبت روز مع فيليب و ذهبت أنا مع جاكوب. لم أحب اللعب مع جاكوب أبدا، كان جادا و يقفز كلما أخطأت ضرب الكرة بينما كان فيليب يشجع روز و يعد خساراتنا بسعادة. بعد انتهاء اللعبة غادرنا الصالة و ركض جاكوب ليطلب بيرة لنا جميعا، بدأ الشابين بالثرثرة و التساؤل عن حياة الأختين في استكهولم. رفعنا زجاجات البيرة بصحة ليلة السبت الحلوة، ثم اتفقنا أن ننتقل إلى بار آخر. اقترح جاكوب أن يأخذنا إلى بار عربي مليء بكلمة ‘حبيبي’. أوصيت روز بأن تهتم بي لأن توازني اختل قليلا، و السلم الحديدي اللولبي يخيفني، صعدنا الدرجات و خرجنا من باب البومة. كان الشارع المؤدي إلى بار حبيبي دافئا و صاخبا. أظهرنا هوياتنا إلا جاكوب لأن الحارس صديقه. نزلنا إلى الطابق الأرضي لأن حسب قول جاكوب ‘ينفخون البلالين هناك’. طلبنا أربع بلالين منفوخة و استنشقناها دفعة واحدة، كدنا نقع أرضا من الضحك، بعد ساعة من شرب البيرة و استنشاق البلالين قررنا الانتقال إلى بار يسمح لنا بالرقص.
كان فيليب يمشي بصعوبة بمساعدة صديقه جاكوب، كان ثملا إلى حد ما، يتكلم ببطء و يبوح بسعادته بهذا السبت الغير متوقع، توقفنا في منتصف الشارع الفرعي الفارغ للتأكد من موقع البار على خريطة جوجل، بدأ الصديقان يتحدثان مع بعضهما السويدية بصوت هامس، نظر إلينا جاكوب و اقترح بخجل ‘ما رأيكم أن نذهب إلى بيتي بدل البار؟ اشتريت قطة نرويجية قبل شهر، سوف تحبونها’. تناقشنا أنا و روز و قلنا ‘لا، ليس الليلة، يمكننا لقاء قطتك في أحد الأيام القادمة’. قال فيليب ‘حسنا، لنذهب الآن’. ظننا أنه يقصد البار، لكننا تفاجأنا بأننا نقف أمام باب بيت جاكوب. قلنا ‘أوكي، لم لا’. استقبلتنا القطة الصغيرة و صارت تشم أحذيتنا و تلاحق تحركات أقدامنا. ركض جاكوب بحماس إلى التلفاز و شغل الموسيقى على سبوتيفاي، تجولنا في شقته الفارهة في وسط صوفو و نحن نبدي اعجابنا و غيرتنا من جمالها و موقعها الجذاب.
وضع جاكوب كؤوس الشوت الصغيرة أمامنا و صب الفودكا الصينية الثمينة و هو يقول بفخر ‘اشتريتها قبل عشر سنوات من الصين’. قلت لروز بالعربية ‘آه إنه يفرغ القنينة الصينية و يملؤها بفودكا و يعيد كذبته لزواره في كل مرة يقدمها لهم’. شهقنا شهقة مزيفة و شربنا الفودكا. رمى فيليب نفسه بيني و بين روز، بينما استلقى جاكوب على أريكة صفراء. قلت لفيليب ‘يا له من ترف أن تجلس بين فتاتين عربيتين’. ضحك و التفت إلى صديقه ‘لنحتفل؟’. دلف جاكوب إلى أحد الغرف و عاد بصندوق صغير، أخرج سيجارة و أشعلها و أخد نفسا عميقا ثم مررها لي، كانت السيجارة تتنقل من يد ليد و نحن نثرثر بلا توقف…
Like this:
Like Loading...