ثلج في حي أوڤي

يا كارهين الثلج، أنتم لم تعيشوا في الحي الذي اسمه أوفي لتعرفوا ما هو الثلج الرائع.. لم تجربوا المشي على القطن الناعم، ليس عندكم شرفة في الطابق الأخير في بناية من الخمسينات، تطل على شارع و حديقة يمر منها يوميا نفس الكلب و الثلاث قطط الوديعات.

أحب مراقبة الحياة من وراء شباكي، حوافه مليئة بالثلج، أرى آثار طيور القرقف، أشعر بالطمأنينة، لأن القرقف تلويحة الربيع القادم. شاب يرتدي سترة صفراء لامعة يزيح الثلج عن درجات السلم المؤدي إلى قبو غرف غسيل الثياب، يكمل و يزيح الثلج عن عتبات البنايات المقابلة للحديقة..

في الصباح، لم أستطع مغادرة سريري، بالرغم من تذمر قطي بولين و ركضه فوقي في محاولة استفزازي، كنت مثل المشلولة، تمارين البيلاتس في الليلة الماضية كانت متعبة، لكنني شعرت بالسعادة و الفخر بمجرد التضحية بالدفء و الكسل و الخروج في عاصفة الثلج.. بعد ساعة من خطط النهوض و توعداتي بقتل قطي، غادرت السرير و توجهت مباشرة نحو شباكي، كانت الجرافة القزمة تزيح الثلج عن الشارع و الرصيف، شعرت بأنني عجوز متقاعدة و أحتاج إلى دفتر صغير أسجل فيه تحركات الجيران. كان بولين يمشي حول قدمي و ذيله يضرب ساقي بلطف كأنها محاولة للتسامح بعدما جعل مني مرمى للركض و العقاب.. لحسن حظي أنني أحب الثلج أكثر من المومينز.

أريد أن أصبح غنية

‎أريد أن أصبح غنية
‎في وقت قصير
‎فلا مزيد من الانتظار
‎لأساعد الناس
‎في الهروب من بلادهم المنكوبة
‎بالحروب و الدكتاتورية و البطريركية.

‎لا بد و أن هناك نساء
‎ينتظرن مساعدة ما
‎سوف أدخر قروض الدراسة
‎و أرسلها إليهن
‎كي يشترين على الأقل فوطا
‎دون الحاجة إلى سؤال أزواجهن
‎لدفع ثمنهن.
‎يا له من حزن
‎أن تكون خصوصية المرأة
‎عارية و محشوة في محفظة الرجل.

‎سوف أدخر أيضا مصاريف تذكرة المواصلات sl
‎أخطط جديا أن أبدأ بركوب الدراجة
‎و أرسل نقودا
‎إلى شباب يأكلهم القلق
‎و الخوف من المستقبل
‎هل ستكفي النقود لشراء فلتر ماء؟
‎ربما؟
‎عندئذ يمكنهم بيع مياه نقية
‎و ادخار بضع النقود
‎للفرار من الحي الفقير
‎ثم من المدينة
‎ثم من البلد كله…

‎كم أنا غارقة في الأحلام المتعبة
‎مثل بطة بين أمواج عالية
‎أقضي ساعات طويلة
‎في البحث عن عمل
‎لا لأشتري بيتا
‎أو أسافر إلى رحلة صيفية
‎كما يفعل الناس في مدينتي الوديعة
‎بل لأساعد أشخاصا لا أعرفهم
‎و لكنهم لا بد و أنهم ينتظرون شخصا لا يعرفونه
‎سوف يساعدهم يوما ما…

أحفاد يحرسون الملائكة

جدة صديقي قلقة على ملائكتها الأقزام الموزعين في كل زوايا و غرف البيت الكبير، قالت بأسف ليلة أمس ‘كل الأحفاد الصغار قد كبروا و لا أحد يقبل بالعمل الصيفي في بيتي’.

في الصيف الماضي، كانت أغنيس، الحفيدة الخجولة، قد أدّت آخر عمل صيفي لها في بيت الجدة ماري. كانت مهام العمل عبارة عن مهمة واحدة: مسح الغبار عن الملائكة، و كانت ماري قد دفعت خمس كرونات مقابل كل ملاك.

في نهاية خدمة أغنيس التي استمرت طيلة مرحلة الطفولة، تركت رسالة كتبتها على قطعة كرتون ‘جدتي العزيزة، استمتعت كثيرا بالعمل في بيتك و العناية بملائكتك. لقد استعرت كتابا من الطابق الثاني، سأعيده سرعان انتهائي من قراءته. بوسات و أحضان’.

كنت أنا من و جدت الرسالة مرمية على كومة لوحات الجد كالّي، أخذتها و فكرت ‘ربما من الأفضل أن لا تعرف ماري بذلك إلا بعد انتهاء عطلة الصيف، لا نريد دراما بجوار البحيرة الرائعة’.

كانت الخطة أن نقضي أنا و صديقي أسبوعا بأكمله في بيت الجدة، مر يومان على اخفاء رسالة استقالة آخر حراس الملائكة، أغنيس. في اليوم الثالث استيقظت في منتصف الليل لأذهب إلى التواليت في الطابق الأول، كنت خائفة من نزول الدرج المعتم جدا، مشكلة قديمة لا يمكن التخلص منها، أضأت كشاف هاتفي و نزلت بحذر شديد و أنا أتأكد من أن غيلان الليل لا تمشي ورائي. كان التواليت يقع على جهة اليمين عند نهاية الدرج، حين فتحت الباب، مددت يدي بسرعة لاضاءة الضوء، فاذا بأحد الملائكة المصفوفين فوق زر الاضاءة يقع و ينكسر أحد جناحيه. أغلقت الباب بارتباك و أعدت الملاك إلى مكانه و وضعت جناحه إلى جانبه، ماذا سأفعل؟ ستغضب ماري عند اكتشاف تلك الجريمة. لا، لا أحد سيعرف أنني من كسرت الملاك، و حتى لو اكتشفتني ماري، الملاك الذي انسكر كان قديما و قبيحا و نسيت أغنيس أن تمسح الغبار عنه، اضافة إلى أن هنالك عشرات الملائكة و لن ينقصهم ذلك الملاك القديم.

في الصباح، استغربت أن صديقي استيقظ باكرا، ليس من عادته، لا بد و أن هنالك سببا ما، هل اكتشف جريمتي و ذهب ليخبر عني؟ لا يمكنه فعل ذلك، جدته ستفقد احترامها له لأنه يعيش مع امرأة لا تبالي بملائكة الآخرين. أوك، سمعت همساتهم في المطبخ، ربما رأت ماري الملاك المكسور، نزلت الدرج و لم أستطع تفادي القاء نظرة سريعة على التواليت، كان الملاك ما يزال هناك، لم يكن مكسورا أبدا و كان بجناحين!. في المطبخ، كانت تجلس ماري و معها رسالة أغنيس و يدها اليمنى على ذقنها.

4/مقطع من بارات ليالي السبت

لأن الشتاء السويدي بدأ كالعادة أول شتاء في العالم، الاحباط ينتشر بسرعة و الأفكار الدرامية تقتحم الرأس بسهولة. قررنا أنا و أختي روز أن نبدد العتمة الطويلة في ليالي السبت، يجب أن نتخلص من شيء اسمه ‘كآبة الشتاء’، أن نحارب برودة القطب الشمالي باغلاق التلفاز و أخذ استراحة من مشاهدة يوميات بيانكا و أفلام الجريمة.. علينا زحزحة مؤخراتنا عن الصوفا و مغادرة بيوتنا.

بالفعل بدأنا خطتنا الجميلة يوم السبت، خرجنا لتناول العشاء في مطعم هندي في صوفو، منطقة الفاشن و الطلعات المجنونة في استكهولم. كانت الساعة السادسة و النصف، لم يكن ثمة حلوى على قائمة المطعم، فقررنا أن نذهب إلى مقهى أمريكي كلاسيكي، طلبنا قهوة و وافلز بكمية كبيرة من الكريمة و الشوكولاتة و الايس كريم و توت العليق. كانت طاولتنا محاذية لباب التواليت، لم نهتم للرائحة الكريهة التي كانت تخرج مع كل صفقة للباب، كانت هناك لوحة معلقة فوق الباب مكتوب عليها ‘ يا للروعة، أنا لا أبالي’.

كان الوقت ما يزال مبكرا، إنها ليلة السبت، و الفتيات يردن فقط المرح. لذلك ذهبنا إلى بار البومة. أوقفنا الحارس و طلب منا اظهار هوياتنا، ثم طلب منا دفع تذكرة دخول. أوكي، هل تردن شراء لوتو؟ سنعلن عن الفائز في الصباح. لا، لا. ثم نزلنا السلالم الحديدة إلى تحت الأرض، كان المكان يعطي احساسا بأنه كان كراج سيارات.. براميل البيرة و المواسير و الأنابيب تستقبل الناس عند زاوية السلم اللولبي الذي أصابني بالدوار. فكرت و أنا أطلب بيرة برلين ‘كيف سأصعد السلالم فيما بعد؟’.

أخذنا جولة سريعة حول البار، كان بوهيميا بشكل شاعري، صديقتي أحلام حتما ستحبه كثيرا إن حدث و زارتني يوما ما. صالة مخصصة للعبة شوفلبورد، صالة لرمي السهام، صالة لألعاب الكمبيوتر القديمة.. و هكذا.

جلسنا إلى طاولة صغيرة في غرفة المشروبات التي كانت تتوسطها طاولة تنس يلعب حولها مجموعة من الشبان مع حبيباتهم كما كان يبدو. كانت روز تجلس إلى جانبي و تشاركني التعليقات السخيفة على اللاعبين السكارى، كنا نطلق نكاتنا بلا رحمة على كل من هب و دب. نظرت إلى روز و قلت ‘أتمنى أن لا تنتهي الليلة بتقبيل بعضنا البعض’ و ضحكنا بصوت عال كأننا نملك البار.

فكرنا ‘لماذا لم نخطط لهذا من قبل؟ كان من الأفضل أن نسأل صديقاتنا و أصدقائنا المجيء معنا و اللهو معنا!، كيف سنلعب شوفلبورد وحدنا؟’. ذهبنا إلى الصالة و وقفنا نشاهد شابين يلعبان شوفلبورد، لاحظنا أحدهما، فقالت روز ‘نغش منكما قواعد اللعبة’. جاء الشاب و قال ‘سهلة، هل تريدان اللعب؟’. قلنا بلهفة ‘نعم نعم’. تحمس الشاب و عرض علينا الانضمام إلى طاولته. كوّنا فريقين، ذهبت روز مع فيليب و ذهبت أنا مع جاكوب. لم أحب اللعب مع جاكوب أبدا، كان جادا و يقفز كلما أخطأت ضرب الكرة بينما كان فيليب يشجع روز و يعد خساراتنا بسعادة. بعد انتهاء اللعبة غادرنا الصالة و ركض جاكوب ليطلب بيرة لنا جميعا، بدأ الشابين بالثرثرة و التساؤل عن حياة الأختين في استكهولم. رفعنا زجاجات البيرة بصحة ليلة السبت الحلوة، ثم اتفقنا أن ننتقل إلى بار آخر. اقترح جاكوب أن يأخذنا إلى بار عربي مليء بكلمة ‘حبيبي’. أوصيت روز بأن تهتم بي لأن توازني اختل قليلا، و السلم الحديدي اللولبي يخيفني، صعدنا الدرجات و خرجنا من باب البومة. كان الشارع المؤدي إلى بار حبيبي دافئا و صاخبا. أظهرنا هوياتنا إلا جاكوب لأن الحارس صديقه. نزلنا إلى الطابق الأرضي لأن حسب قول جاكوب ‘ينفخون البلالين هناك’. طلبنا أربع بلالين منفوخة و استنشقناها دفعة واحدة، كدنا نقع أرضا من الضحك، بعد ساعة من شرب البيرة و استنشاق البلالين قررنا الانتقال إلى بار يسمح لنا بالرقص.

كان فيليب يمشي بصعوبة بمساعدة صديقه جاكوب، كان ثملا إلى حد ما، يتكلم ببطء و يبوح بسعادته بهذا السبت الغير متوقع، توقفنا في منتصف الشارع الفرعي الفارغ للتأكد من موقع البار على خريطة جوجل، بدأ الصديقان يتحدثان مع بعضهما السويدية بصوت هامس، نظر إلينا جاكوب و اقترح بخجل ‘ما رأيكم أن نذهب إلى بيتي بدل البار؟ اشتريت قطة نرويجية قبل شهر، سوف تحبونها’. تناقشنا أنا و روز و قلنا ‘لا، ليس الليلة، يمكننا لقاء قطتك في أحد الأيام القادمة’. قال فيليب ‘حسنا، لنذهب الآن’. ظننا أنه يقصد البار، لكننا تفاجأنا بأننا نقف أمام باب بيت جاكوب. قلنا ‘أوكي، لم لا’. استقبلتنا القطة الصغيرة و صارت تشم أحذيتنا و تلاحق تحركات أقدامنا. ركض جاكوب بحماس إلى التلفاز و شغل الموسيقى على سبوتيفاي، تجولنا في شقته الفارهة في وسط صوفو و نحن نبدي اعجابنا و غيرتنا من جمالها و موقعها الجذاب.

وضع جاكوب كؤوس الشوت الصغيرة أمامنا و صب الفودكا الصينية الثمينة و هو يقول بفخر ‘اشتريتها قبل عشر سنوات من الصين’. قلت لروز بالعربية ‘آه إنه يفرغ القنينة الصينية و يملؤها بفودكا و يعيد كذبته لزواره في كل مرة يقدمها لهم’. شهقنا شهقة مزيفة و شربنا الفودكا. رمى فيليب نفسه بيني و بين روز، بينما استلقى جاكوب على أريكة صفراء. قلت لفيليب ‘يا له من ترف أن تجلس بين فتاتين عربيتين’. ضحك و التفت إلى صديقه ‘لنحتفل؟’. دلف جاكوب إلى أحد الغرف و عاد بصندوق صغير، أخرج سيجارة و أشعلها و أخد نفسا عميقا ثم مررها لي، كانت السيجارة تتنقل من يد ليد و نحن نثرثر بلا توقف…

خريطة القبور

Lidingö Kyrka

قبل أشهر قليلة تغير روتيني بشكل درامي، كنت قد اعتدت زيارة صديق كل يوم أحد و نطبخ العشاء مع بعضنا كما و لو كنا نحضر عزيمة خاصة. أمس كان يوم الأحد و ذهبت لزيارة قبره، كنت قد حصلت على رقم قبره مسبقا و لكنني لم أجده على خريطة الكنيسة، لم يكن القس هناك أو أي شخص ليساعدني، قرأت أسماء معظم الموتى و أنا أفتش على اسم صديقي. كانت القبور مزينة بالحجارة و الورود، كنت أميز الأموات الجدد من الورود المتفتحة التي زرعها الناس مؤخرا، بينما الأموات القدامى و المنسيون تغطي قبورهم الأعشاب الجافة.. بعد نصف ساعة جلست على مقعد أمام نافورة صغيرة، كان في الجهة المقابلة قبرا جديدا محوطا بأطفال يأكلون كعكة القرفة و أشخاصا آخرين يشربون القهوة و تصدر منهم ضحكات حذرة، بدت و كأنها زيارة حميمية و لطيفة لميت جديد.. فكرت بغضب ‘اللعنة سأتصل الآن و أسأل صديقي عن مكان قبره’… لوهلة أخرجت هاتفي و كدت أضغط على زر اتصال و غرقت في ضحك هستيري.

ساحرتان تفتعلان المشاكل

الساحرتان الشيطانيتان تعزفان موسيقى جميلة جدا، موسيقى تجلب الذكريات و الحب. كنت مستعدة لمعركة صغيرة كادت تبدؤها جدة شريكي، معركة ضد الساحرتين، فقد عرفنا مبكرا بأنهما ستقيمان حفلة صاخبة لن تسمح لنا بالنوم الهادئ، لكن الوقت أتى و ها نحن كل منا يستريح في كوخه الصيفي الدافئ.

عانقت الجد و الجدة، أحد عادات العائلة قبل الخلود إلى النوم، قبلتني الجدة ماري و شكرتني على خَبز بسكويت كهف التوت لها.

قبل صيفين، انتقلت الساحرة الأم و ابنتها للعيش في الفيلا المقابلة لأكواخ عائلة شريكي، و منذ ذلك الوقت فقدت الأكواخ أمانها.

تفتعل الساحرتان المشاكل، مرة قصت الساحرة الابنة حبل قارب كالي، الجد، و ربطت قاربها بدلا منه، و لولا أحد الجيران الذي رأى تلك الجريمة، لضاع القارب للأبد. حدث ذلك في صيف انتشار الكورونا، عندكا ذهب الجدان إلى مرسى القارب الخاص، وجدا الساحرتان تجرسان قاربهما، وصلت مع شريكي بعد دقائق، رأينا بدهشة كيف وقفتا و لم تتوقفا عن الكلام، كانت الساحرة الصغيرة ترشق الكلمات بسرعة مجنونة بينما كانت أمها تنظر إليها بفخر أحمق، تدعي الابنة أن ملكية المرسى لهما، قال كالي ‘لا’، كان هادئا جدا، التحق بالمشهد كريستفور ابن كاللي، كان يحمل مخروط بوظة و لوهلة نسي أنه في موقف جدّي و صوب مخروطه نحو الساحرة الأم و هو يقول ‘أنتما لا تعرفان عن الأخلاق شيئا’ و توعد بارسال تقرير للشرطة عما حدث. ثم غادر الجميع المكان. عند الظهيرة، رن جرس بيت الجدة و الجد، فتحت ماري الباب، و اذا بالساحرة الأم ترمي ورقة ألف كرونة و هي تقول بحقد ‘سعر الحبل الذي قصته ابنتي’ و حاولت الاقتراب من ماري لتصافحها، لكن ماري أصيبت بالهلع و صاحت ‘كالي، تعال أزح الساحرة عني.. كورونا’ و رمت ورقة النقود على الأرض و صفقت الباب في وجه الساحرة الأم.

حتى اليوم تتوالى مشاكل الساحرتان و نكتشف أفعالا غريبة تصدر منهما، الأسبوع الماضي قامتا بحشي أقفال مفاتيح أبوابنا بالرمل و الحصى الصغير، و مع أن ذلك جنوني و أغضب الجميع، إلا أن كالي تحمس جدا للبدء بشراء أقفال جديدة و القيام بأعمال صيانة لأشياء أخرى تم تخريبها.

الآن أجلس في هذا الكوخ الذي تفوح منه رائحة خشب قوية، صوت الجنادب يمتزج مع صوت أوراق الشجر، و أشعر بأمان لأن كاميرا المراقبة معلقة فوق أبوابنا و لأن الساحرتان منشغلتان هذه الليلة بعزف الموسيقى.

حرب بعد حرب

…في كل حرب تحدث أدرك ما تغيّر في شخصياتنا فيزيائيا و عقليا

.. في الحرب الأولى 2008 كان أبي قويا بكل الأوجه، يقرر كيف و أين يحمينا، يصرخ فينا “بسرعة سيبوا كل شي و اركضوا”، قام بتقسيمنا في سيارتين حتى تكون احتمالية النجاة ممكنة، وضعني أنا و أختي و أخي الأصغر و أمي في سيارة و ذهب هو و بقية اخوتي في سيارة أخرى.. كان القصف حولنا بشدة بينما كنا ننظر خلفنا طوال الوقت لنتأكد أن أبي و اخوتي لم ينفجروا بعد.
في تلك الحرب كان همي الوحيد هو نجاة بيتنا لأنني تركت ذكرياتي المفضلة في غرفتي. لم أكن أفكر بشيء آخر غير البيت.


في حرب 2012 أصبت بردة فعل عكسية و صرت أضحك بهستيرية على الدمار، لم أفكر في نجاة بيتنا، كنت أفكر فقط في غرفتي و أحلم بليلة ساكنة و نوم عميق جدا بدون تقطع.. كان أبي متعبا إلى حد ما من التفكير بطريقة لحمايتنا من الصواريخ و القذائف.


في حرب 2014 كنت خائفة من كل شيء، لم أعد أفكر في البيت على الاطلاق، نسيت البيت. فكرت في جسدي، اكتشفت أن جسدي هو بيتي و لم أطق تخيل فقدان ساقاي أو عين أو أي جزء من جسدي.
أبي كان يتقدم في العمر، كان يركض بعكازه و كان قد قرر حمايتنا في أماكن اللجوء في مدارس الوكالة.


في حرب 2021 أنا خائفة من صوت طائرات الرحلات السياحية في استكهولم، أضع اصابعي في أذناي كي لا أسمع صوت القطارات، خائفة على أهلي في غزة..
أبي فقد قدرته على حمايتنا، اخوتي يقررون كيف يحمونه و يحمون ما تبقى من ذاكرته.


في الحرب القادمة لا أعرف حقا ما سيحصل، لا أعرف بتاتا.. لا أريد أن أعرف..