في وقت الحروب، لم تكن البيوت مجرد حجارة أو مأوى، بل أبناء يكبرون و يعانون مع ساكنيهم. في وارسو ودرسدن وستالينغراد، كان النازحون يغامرون بالعودة بين أنقاض المدينة، يطرقون أبوابًا خالية، يبحثون عن آثار الحياة التي رحلت. يلمسون الجدران المحطمة، كأنهم يحتضنون ذاكرتهم الضائعة، ويسمعون صدى خطواتهم في صمتٍ لا يرحم.
اليوم، في غزة، تتكرر القصة، لكن في مدينة واحدة. النزوح ليس مجرد تنفيذ أوامر الإخلاء أو هروب من القصف، بل رحلة بين الموت والحياة، بين الدمار والذكريات. يصر الناس على العودة إلى بيوتهم، كما لو كانت أبناؤهم، ليتأكدوا من أنها لا تزال واقفة، ينقّبون بين الركام عن قطعة من الأمان، عن ظل من الماضي الذي لم يرحل بعد. كل زاوية، كل باب مهدم، يحمل صدى الصراخ نفسه الذي دوّى في أوروبا قبل عقود، لكن الفرق أن هذا كله يحدث في مكان واحد، مضغوط، محاصر، كأن الحرب العالمية قد انكمشت لتعيش في قلب مدينة واحدة.