استراحة الشياطين المجانين

في أحد الليالي السويدية، في عز دين الشتاء، ثلج ذائب و تشعر أنك بجرد أن تخطو فوقه يتحول إلى جليد و تكاد تنزلق و تقع على الأرض البيضاء اللامعة…

كنت أمر بحالة الاحباط الشتوي و الملل و التذمر من عملي. قررت في ذلك اليوم أن أذهب إلى أمسية شعرية نظمها شبان سويديين. قلت لنرى كيف يقيمون الأمسيات الشعرية، أولئك المغمورين الشقر. حتما سأحبهم، دائما أحب الذين لا يعرفهم أحد و يكونوا بعيدين عن الشلل و المعارك. أيامها كنت أشعر بالوحدة و ربما تكون تلك فرصة لايجاد شاب شاعر مغمور أخرج معه إلى موعد و يخفف وحدتي قليلا حتى قدوم الصيف.

كانت الأمسية في يوم السبت الصغير، و هو يوم منتصف الأسبوع، حيث يحتفل السويديين بانقضاء الشوط الأول من الأسبوع.. كان القطار المتجه إلى محطة الأمسية يعج بالمراهقين الذين اشتروا علب البيرة أو زجاجات النبيذ أو حتى أكياس الشيبس.. شعرت بأنني الوحيدة المتجهة إلى مكان جدّي.

كان المكان يبعد عن المحطة بضعة دقائق. في الممر المؤدي إلى قاعة الأمسية كان يوجد ماكينة بألوان زاهية لشراء الكوندومز. ابتسمت، يا له من ترحيب!. كان صوت الشبان يصلني من الداخل مليئا بالحماس، كنت متأخرة قليلا، لم أعرف متى بدأت الأمسية. وجدت كرسيا قرب مجموعة شباب يتوسطهم رجل في الخمسين بلحية مجدولة و مصبوغة باللون الأسود.

ألقى الشاعر الأول قصيدته الرومانسية، لم أحبها أبدا، لكن في الخلف كان يشجعه أصدقاءه عند نهاية كل قصيدة. أما الشاعر التالي فكان يبكي و هو يقرأ قصيدته التي كانت عن أمه التي تقاعدت قبل شهر عن العمل و الحياة. شاعر تلو الآخر حتى جاء دور فتاة بشعر طويل مربوط على جهة اليمين و ترتدي بنطلون مصنوع من جلد مزيف.. كانت قصيدتها عن الرجال، لقد مسحت الأرض بالرجال و صرخت فيهم جميعا بنفس واحد. كنت مصدومة و لم أعِ ما حدث!. يا فتاة، عودي إلى بيتك مع أصدقائك… يا شعراء عودوا كلكم إلى بيوتكم و احتفلوا بالسبت الصغير، أفضل من تضييع وقتكم في القاء قصائدكم التافهة.

كنت أنتظر أحدهم يصعد إلى خشبة المسرح، آه لقد صعد ذلك الأحد و أعلن عن استراحة لمدة عشرين دقيقة. نظرت حولي لأستكشف القاعة و الحضور و الشعراء الشبان الحمقى المتحمسين الشقر الذين أفسدو احباطي الشتوي أكثر و أكثر. كانوا منشغلين بتشجيع بعضهم البعض. أما الرجل الخمسيني و مجموعته التي بدا و كأنه يرأسها و كان واضح عليهم أنهم مهتمون بالموسيقى الالكترونية، كانوا جميعا صامتين و ينظرون حولهم مثلي.

قبل انتهاء الاستراحة، جاء إلي شاب من تلك المجموعة، سألني إن كنت سألقي قصيدة، أجبته بالنفي، أشار إلى مجموعته باصبعه ‘لا’. شهقوا و حركوا أيديهم بأن أنضم إليهم، ذهبت و بدأوا بالضحك العال جدا.. ضحكت معهم بهستيرية و أنا أقول ‘jävla galningar’ (اللعنة مجانين).

Leave a Reply

Fill in your details below or click an icon to log in:

WordPress.com Logo

You are commenting using your WordPress.com account. Log Out /  Change )

Twitter picture

You are commenting using your Twitter account. Log Out /  Change )

Facebook photo

You are commenting using your Facebook account. Log Out /  Change )

Connecting to %s