سنوات طويلة كنت أحلم بها أن أصبح سمينة جدا لدرجة أنني أخبرت أصدقائي بأنني أتمنى لو ذلك الباب يضيّق على جسدي! كنت ساذجة إلى أبعد أحد.. لكن تعليقات الناس على نحافتي كانت أشد سذاجة، لماذا تنتقد جسد الآخر؟ ماذا لو كانت نحافتي جراء مرض أو اعاقة ما. كان بعض الأصدقاء ينادوني ب ‘بسكوتة’، لم أهتم لذلك و كنت أضيف ‘مغموسة بشاي بنعنع’.
خلال السنتين الماضيتين زاد وزني بشكل ملحوظ، ربما بعد أن التقيت بوحشي السويدي الذي يأكل أي شيء، مرة صرخت في وجهه و قلت ‘قل لي ماذا تكره من المأكولات’، نظر إلي مستغربا و أجاب ‘ممم الجزر المشرح مثل جزر وجبة غداء مدرسة رودين’. انفجرت ضاحكة و تناثر الأكل من فمي على الجدار الخشبي. و يوما بعد يوم كنت أتحول إلى وحشة صغيرة و آكل نفس الكمية التي يأكلها شريكي. حتى أتى صيف الكورونا، و بدأ السويديون يجهزون للاحتفال بمنتصف الصيف. طلبت فستانا من موقع على الانترنت، مقاس S كما اعتدت. وصلني الطلب و كان المقاس صغير على جسدي! ألقيت اللوم على المصممين الذين لم يكونوا دقيقين في المقاسات. قمت بطلب فستانا آخرا من ماركتي المخلصة، زارا، و فكرت بأن هذه المرة يجب أن أطلب مقاسين S و M من باب الاحتياط. جربت المقاس الصغير فاختنقت منه، المقاس الأوسط كان رائعا جدا. فرحت كثيرا لأنني قمت بفكرة طلب مقاسين. لكن، فجأة، و بينما كنت أخلع الفستان، شهقت، ناديت على صديقي، ‘تعال، انظر بسرعة’. سمعته يجري و يقول ‘ماذا حدث؟’. رميت الفستان و قلت ‘لقد سمنت، ألا ترى ذلك؟’. قال ‘لا’، قلت ‘بلى’ و وقفت على الميزان، كان الرقم بالضبط ’55’. لم أزن نفسي من قبل، كنت فقط أنظر إلى نفسي في المرآة بعد ارتداء ملابسي بحجم S. كنت مرتبكة جدا، لا أريد أن أصبح سمينة، كنت بلهاء بخصوص الباب الضيق على جسدي.
بعد احتفال منتصف الصيف زاد وزني كيلو، داهمني القلق، صرت أزن نفسي يوميا عدة مرات خلال اليوم الواحد، الرقم لا يتزحزح عن الخمس و خمسين!. صرت أبحث عن سر المقاس M، ربما خلل في عمل الغدة الدرقية؟ ربما احتباس سوائل في جسدي؟… إلخ
اتصلت على العيادة القريبة من شقتي القديمة، قلت للسكرتيرة ‘أريد أن أحجز موعدا في المختبر’، سألتني ‘ما نوع التحليل الذي تريدينه و لماذا’، ‘تحليل دم، الغدم الدرقية’.
ذهبت في اليوم التالي إلى العيادة و توجهت مباشرة إلى المختبر، سحبت ورقة الطابور و كان رقمي بعد ثلاثة أشخاص، جاء ممرض افريقي و نادى على رقمي، تبعته و دخلت المختبر، طلب مني رقم الهوية ليؤكد قدومي على الجدول في حاسوب العيادة. أزاح رأسه عن الشاشة و طلب مني اعادة رقم هويتي، ثم قال ‘لا يوجد هنا حجز باسمك!’. قلت مستنكرة ‘كيف؟ هذا موعد تحليلي!’. أعاد الممرض كتابة رقمي و لكنه لم يظهر أية معلومات، فاقترح علي أن أذهب إلى السكرتيرة و أستفسر منها عن المشكلة.. هناك، شرحت للفتاة العراقية التي تتحدث العربية المكسرة، و بينما أخبرها بغضب أن الممرض لم يجد معلومات حجزي، كانت الفتاة تضحك و تحاول كتمان صوت ضحكتها، قالت بصعوبة ‘لا يمكنك أن تقرري بنفسك و تذهبي لعمل تحليل دم، الطبيب هو من يقرر مشكلتك و اذا ما احتجت تحليل دم أم لا’. قلت باحتجاح ‘لا داعي لذك، أعرف ما أريد’. لم تستمع إلي و حجزت لي موعدا مع الطبيب بعد ربع ساعة.
لم يكن سواي في غرفة الانتظار، جاء الطبيب و قذم نفسه إلي و أخذني إلى غرفته. بدأ يسألني أسئلة تتعلق بأعراض الغذة الدرقية، و كان كل شيء ايجابيا. ثم بدأ يسألني بابتسامة كبيرة ‘هل تأكلين الشوكولاتة؟ الايس كريم؟ تجلسين كثيرا؟…’. تلك الأسئلة الأخيرة، يا لها من أسئلة، نعم أيها الطبيب، أشارك وحشي كل تلك الأشياء اللذيذة، و مع ذلك أريد تحليل دم. تأمل الطبيب جسدي و قال بصوت ممزوج باللا جدية ‘لا تحتاجين إلى تحليل، فقط راقبي ما تأكلينه و تحركي كثيرا’. ‘لكنني أريد تحليلا، أشعر بأنني بحاجة إلى ذلك’. استسلم الطبيب لطلبي لأن موعد عمله سينتهي بعد دقائق و كتب لي على ورقة قائمة بالأشياء التي سوف أحصل على نتائجها، كمية الحديد و الفيتامينات مثلا..’
في اليوم التالي، اتصل بي الطبيب و أخبرني بأن كل النتائج طبيعية و لا داعٍ للقلق!. سعدت لسماع ذلك، و بعثت رسالة إلى صديقي ‘أنت السبب، ما العمل الآن’.
اليوم، و بعد أسبوع من تنظيم الأكل بحزم و قلق، فقدت كيلو واحد فقط… أنظر إلى جسدي الصغير في المرآة الكبيرة و أقول ‘لمن يصممون تلك الفساتين؟. كم كنت مخطئة تجاه جسدي و مقاساتي السخيفة. من يرتدي تلك الفساتين؟ المصممون و دور الأزياء ينتجون ملابسا تسبب القلق للنساء، ملابس بمقاسات اجتماعية تخرط جسد المرأة و تزهق روحها الجميلة في القلق و التفكير. إنهم يفصّلون حياة النساء على مقاس فساتينهم’.