قضيت ساعات طويلة أعمل مع زملائي على عملية فصل البلازما و الحصول على مادة مهمة اسمها كريو. حصلنا على ٢٠ كيلو كريو من ١٠٠٠ كيلو بلازما (ثمنها حوالي مليوني يورو). و يحصل ذلك باستخدام جهاز خاص يشبه بعمله الخلاط الكهربائي، و يدور آلاف الدورات خلال ثوان عديدة.
كنت أراقب العميلة بمتعة فائقة و أنا أرمي بين الفينة و الأخرى نكتة مملة لطرد الخوف. إنه الخوف من الانتقال إلى غرفة التجميد. قلت لزميلي روني ‘هل بامكاني أن آخذ حفنة كريو معي إلى البيت’. نظر إلي دون أن يجيب، فأكملت ‘حفنة بعشرين ألف يورو؟’. امتعض روني و قال’يكفي هذا، ساعديني في نقل الكريو الآن’.
وضعنا سطل الكريو على ناقلة معقمة و جرها روني نحو غرفة التجميد. قبل الدخول، شدني أحدهم من طرف بلوزتي و قال بسرعة ‘لا، انتظري. يجب أن تضعي نظارات واقية، هل ترتدين سترة داخلية؟’. أجبته بنعم و تلقفت من شخص آخر النظارات. أحدهم صاح في وجه روني ‘أحمق أنت، كيف لم تعطها نظارات و أنتم داخلون إلى التجميد؟’.
تجمدت شفتاي، لا من البرد، بل من الخوف. تابعت خطوات روني الحذرة، حتى وصلنا إلى سطل معدني كبير، سحب روني أنبوب طويل و ضغط على زر لونه أحمر، ثم بدأ النيتروجين يملأ السطل، كانت الاشارة على اللوحة الالكترونية للأنبوب تشير إلى أن درجة حرارة النيتروجين وصلت الآن إلى مائتي درجة تحت الصفر. كان الحماس واضحا في حركات روني و هو يبدأ بوضع الكريو قطعة وراء قطعة في سطل النيتروجين… قال لي و هو يرمي قطعة ‘هيا، تعلمي كيف ترمي الأشياء في الغيوم’. أخذت قطعة و رميتها بيد مرتجفك من بعد مسافة، سقط نصف القطعة على الأرض، فصاح روني ‘يا الهي لقد رميتِ عشرة آلاف يورو على الأرض’. قلت له و صوتي يرتعش ‘أريد أن أغادر الغرفة، أنا خائفة’.
كان بخار النيتروجين قد ملأ الغرفة و لم أعد أرى شيئا، كنت كما لو دخلت في غيمة كبيرة. جررت قدماي نحو الخارج و خطوة بعد خطوة كنت أرى كتفي ثم يداي ثم بطني ثم قدماي، حتى خرجت من الغيمة الضبابية البيضاء و رأيت كلّي.