شارع الريح

و أخيرا وجدت الوقت للكتابة. و بالمناسبة لقد قمت بأول خطأ املائي للتو، كتبت كآبة بدل كتابة، لكن لم يكن أي مغزى وراء ذلك، فقد تركت الكآبة منذ زمن بعيد عندما غادرت غزة، إنها ليست مدينة الكآبة فقط، بل مدينة كل شيء معتم و مخيف، أسمح لنقسي بكل حزن واثق أن أصفها ببالوعة المستقبل المضيء، لا يوجد هناك زمن المستقبل.

كنت في عطلة صيفية حارة في اسطنبول، مضيت أسبوعين أتسكع في الشوارع الرائعة طلوعا و هبوطا، و أتنقل من مقهى إلى آخر، حتى انني أحيانا أصبت بالحيرة من كثرة الأماكن الجميلة، أيهما أختار؟. شعرت في تلك الأيام أن روحي استعادت رشاقتها من جديد و شحنتها الأماكن بصخب سيتمكن من مواجهة الشتاء السويدي القادم و الذي يعود بسرعة و يستمر طويلا بقسوة و احباط.

في منتصف العطلة، بدأ حماسي يتبدد، و بدأت أشتاق إلى استكهولم و بيتي هناك، و فكرت بجدية أنني المرة القادمة لن أسافر لمدة أكثر من أسبوع. في نفس الوقت كم شعرت.. بماذا؟ لست دقيقة إن قلت بالسعادة. شعورا غريبا، أحببت نفسي و تحسست حقيبتي و أنا أقول بيقين “يا الهي، وجدت بيتا، كم أحبك يا استكهولم”. نعم، إنها المدينة التي ضمتني و عصرتني بين ذراعيها عندما خرجت من الحرب و دموع أمي على كتفي تنمو كل يوم مثل دمامل فضية. استكهولم أعطتني حبيبا و بيتا و أصدقاء و سلام و أمان واسع.

عندما عدت إلى استكهولم، كان هناك عملا كثيرا ينتظرني. البيت كان عبارة عن صناديق كرتونية فارغة مصفوفة فوق بعضها البعض و تنتظر الامتلاء. كنا قد عشنا سنة واحدة في ذلك البيت الصغير، لم أحبه لأنه كان بدون جيران، في وسط غابة، غارق في الهدوء و لم يكن ثمة ما يدعو لابهاجي. مضت سنة كاملة من الملل في شارع الريح ( اسم الشارع الواقع فيه البيت، ففي تلك الغابة شوارع، و للشوارع الغابية أسماء لها علاقة بالطبيعة).

لا أشعر بالحياة و الحرية عندما أعيش بعيدة عن محطة القطار. منذ قدومي لاستكهولم، لم أعش كل ذلك البعد عن قلب المدينة و ضجيجها، حتى عندما سافرت إلى روما و اسطنبول و مدن أخرى، دائما حجزت الغرف القريبة من محطات القطار و ليس الباص أو السيارات.

الآن أنا في البيت الجديد، لدي جيران و يمكنني سماع الحياة تمشي تحت البلكونة. أكتب كل هذا و أنا أسمع صوت القطار يصلني من المحطة القريبة من بيتي.. إنه ذلك الصوت المنزلق على السكة الحديدة و يبعث فيّ الحرية و الحب.

Leave a Reply

Fill in your details below or click an icon to log in:

WordPress.com Logo

You are commenting using your WordPress.com account. Log Out /  Change )

Twitter picture

You are commenting using your Twitter account. Log Out /  Change )

Facebook photo

You are commenting using your Facebook account. Log Out /  Change )

Connecting to %s