سيارة اسعاف القرادات السعيدات

أخيرا بدأت الشمس السويدية المختفية بالظهور، تجلب معها الدفء و الضوء فيتلاشى الاحباط الشتوي يوما بعد يوم… و بما أنني أعيش منذ سنة على أطراف المدينة فإنني مع الوقت تحولت إلى حارسة الفصول، أنشر أخبار البرد و الثلج و تساقط الأوراق و حتى الآن أشعر بحاجة لاخبار أي شخص بمستجدات الطقس.
لم أعتد الروتين خارج حياة المدينة، حيث البارات و المقاهي و الشوارع الصاخبة. بينما هنا كل شيء ساكن و لا صوت غير خشخشة أوراق الشجر الكبير الذي يغطي مساحة كبيرة من المكان ليتخذ عائلة صغيرة اسمها غابة النسيان. انه الاسم الحقيقي للمكان الذي أعيش فيه ‘النسيان’ و لأكون أكثر دقة فإن الاسم الحرفي هو ‘المنسي’، الشارع الذي يحتضن بيتي الصغير اسمه ‘المناخ’، أما الشارع الرئيسي فاسمه ‘الرياح’… و هلم جر فكل أسماء المنطقة لها علاقة بالطقس.
لم أكف يوما عن التذمر من انتقالي للعيش هنا، صديقي سيجن و أصبحت أسمعه يردد تمتمات و شكوى تشبه تلك التي يرددها العرب، لا فرق بين عربي أو أعجمي في الشكوى من النساء، فالنساء لا يعجبهن شيء البتة. لكنني بالفعل لن أحب هذا المكان الصامت أبدا، فقط يصلح للتصييف و السبات الشتوي إن لم يكن لنا عملا أو حفلة.
اليوم كان الجو لطيفا إلى حد معقول يسمح لشابة مثلي بالخروج بجاكيت جلدي قصير… ملابسي بعثت الفرح في قلب صديقي المتعب من شكواي، فأخذه الحماس لأن يقترح بأن نذهب إلى البحيرة في نزهة شواء!. كان من الأجدى أن يقترح بأن نذهب إلى بار ما و نجلس تحت أشعة الشمس و نمجدها حتى تغرب.
قلت لصديقي و كررتها مرات بأن يضبط حماسه و يكون واقعيا، غضب و احتد النقاش بيننا حتى شمت المدينة و شمتُ أنا كل ضاحية النسيان، أوقف شجارنا جارنا البوليفي، مد رأسه من السيارة ليلقي التحية، أراد أن يقول شيئا، لكنه لاحظ عبوسنا، فاختفى بسيارته الاسعاف المزيفة، توقف عند زاوية الشارع فاستطعت أن أقرأ اللوحة الجديدة المعلقة على خلفية سيارته ‘سيارة اسعاف القرادات السعيدات’.

One thought on “سيارة اسعاف القرادات السعيدات

Leave a Reply

Fill in your details below or click an icon to log in:

WordPress.com Logo

You are commenting using your WordPress.com account. Log Out /  Change )

Twitter picture

You are commenting using your Twitter account. Log Out /  Change )

Facebook photo

You are commenting using your Facebook account. Log Out /  Change )

Connecting to %s