التخلي عن الكتابة من أجل الأدوية

فكرت أن التخلي عن الكتابة و عن مهنة تدريس اللغة للأجانب، سيكون شيئا أكثر اثارة في حياتي. لطالما أصابني الملل بسرعة عند ممارسة عمل ما أو اتباع روتين جديد… حتى الطعام و الحب. أفقد شهوتي اتجاه الأشياء بعد فترة من الزمن.
أتذكر عند بداية قدومي إلى السويد، اكتشفت سلطة البطاطا السويدية و بدأت اشتريها باستمرار و أكلتها تقريبا يوميا، مرت أيام حتى مرّ شهر… و فجأة قررت: إنه يوم التخلي عن سلطة البطاطا. مرت خمس سنوات و لم اكل تلك السلطة حتى الآن. قصص الملل و التخلي تمتد لتصل الحب و الشجار و الخلافات المتعبة.
بالرغم من ذلك، إلا أنني لم أتخلى يوما عن أغنياتي المفضلة و عن أماكني الغير محدودة. لا أهتم بجودة الأغنية جدا، ما يهمني هو المناسبة التي جعلتني أستمع إليها حتى حفظها في ذاكرتي. أغنية لا تكون خجولا جدا، سمعتها يوميا في السيارة في طريقنا من سوندسفال إلى تيمرو، تلك البلدة النائية و الباردة جدا، حيث كانت تعيش عائلة حبيبي السابق. الطرق كانت مغطاة تماما بالثلج. كانت الأشجار ملتفة بالصمت و البيوت مغمورة بالبياض… كانت الأغنية تبعث الدفء فيّ و في كل شيء حولي، كانت أبرد أيامي في السويد. ربما كان خليطا من وحشة البلدة و الثلج و ارتباكي من حبيبي الذي أصبح مملا أو بدأت أضعه بدون وعي في سلة الملل، لم أعد أحبه و قررت الانفصال بعد عودتنا إلى استكهولم مباشرة.
أما الأماكن فلا يمكنني التخلي عنها، أذكر جيدا عندما أوصلني صديقي إلى المطار و عند البوابة بدأت أبكي بشدة و أقول بصوت متقطع ´لا أريد العودة، أريد أن أبقى في روما. ´ كان الوقت الرابعة صباحا، و كنا قد عدنا من سهرة طويلة في بار اسمه التانغو الأخير، شربنا كثيرا و حتى الآن لا أعرف كيف قاد صديقي السيارة إلى المطار و هو سكران و ما زلنا على قيد الحياة؟. دفعني صديقي إلى البوابة ليتخلص مني و يذهب إلى بيته الذي يبعد ساعتين. بعد ذلك اليوم، تعب أصدقائي مني و من قصصي التفصيلية عن يومياتي في روما. كل الأماكن التي أذهب إليها، لم أتخلى عنها أبدا. لقد أضافت إلى حياتي جزءا مفقودا، لا أتخيل نفسي مثلا بدون الذهاب إلى مقهى كلانغ و لا أريد تخيل حياتي في مدينة لا يوجد فيها ثلاثين ألف بحيرة.
ها قد مرّ سنة بأكملها على عدم الكتابة و التعليم. كنت قد أصبت بالاحباط الشتوي و قررت أن أبدأ شيئا رائعا، لذلك التحقت في برنامج صناعة الأدوية و بدأت بدراسة الكيمياء و الميكروبيولوجيا و أشياء أخرى ليس لها علاقة أبدا بخلفيتي التعليمية و المهنية. لازلت أدرس جاهدة لأنتهي من البرنامج و أسحب روتيني من جذوره لأغيره.
قضيت اليوم نصف النهار في شركة فايزر المصنعة للأدوية، كانت المسؤولة عنا تشرح لنا بالتفصيل عمل كل آلة و تكاليف ذلك الفلتر و تلك المواد الكيماوية… ساعات تمر و أنا أستمع و أنظر بدهشة كبيرة إلى تلك الآلات و المواد التي بدت لي معقدة و ثمينة. و بينما أخلع ملابسي الخضراء المعقمة و أضع الكمامة على الطاولة، فكرت هل هذا مكاني؟ أيمكن أن أقضي ليالي بين تلك الآلات الضخمة. فكرت أيضا أنني لا أريد أن أمضي أيامي في المختبر أستخرج أخطاء العينات و أشارك في صنع الفراغمين الخاص بدواء السرطان… بدا لي كل شيء ضبابيا و يحتاج إلى قطعة قماش كبيرة كي تمسح ذلك الضباب المبلل.
أخذت القطار السريع و عدت إلى البيت… خلعت ملابسي العادية و ارتديت بيجامة. أشعر بأن ذلك العمل ممل و يجب أن أعود إلى الكتابة.

Leave a Reply

Fill in your details below or click an icon to log in:

WordPress.com Logo

You are commenting using your WordPress.com account. Log Out /  Change )

Twitter picture

You are commenting using your Twitter account. Log Out /  Change )

Facebook photo

You are commenting using your Facebook account. Log Out /  Change )

Connecting to %s