العمى و اللغة اللاتينية

أن يرن هاتفك الخلوي في منتصف الليل, تنهض من نومك العميق و الهادئ, تفتح هاتفك فتجد رسالة وصلتك, ليست من قريب أو بعيد, بل من إدارة الجامعة التي تدرس فيها !. إذا هذا كل ما في الأمر!, الرسالة تُعلمني برصد علامتي في مادة اللغة اللاتينية, و لا مجال للمراجعة فأنا راسبة في تلك المادة, و علي أن أعود مقدار مادة من الدراسة حتى تكتمل زخرفة شهادتي فيما بعد..
حدجت بصري في عتمة الغرفة, كأنني أبحث عمّن يواسيني في هذا الموقف المؤلم و هذه الصدمة الغير متوقعة, نسيتُ مفردات الأمل و انخرطتُ أبكي و أندب حظي مع هذه المادة, خصوصا و أنني لأول مرة أرسب و منذ دخولي الجامعة, لا أذكر يوما أنني رسبتُ إلا مرة واحدة حين كنتُ في الصف الثاني الثانوي, القسم العلمي, أذكر يومها أن رسوبي في مادة الأحياء لم يكن رسوبا بالمعنى الفاشل مقارنة بهذه المادة التي رسبت فيها بالجامعة, يومها أيضا بكيت و لكن لم يكن بكاء يائسا مثل هذا, فقد انهمرت دموعي أمام أستاذ مادة الأحياء, أخذني الأستاذ إلى خارج الصف و طمأنني بأنه سيرصد علامة الشهر الفائت بدل علامة الرسوب, و زاد على ذلك علامتين لأنني طالبة متفوقة و حرام أن يهبط معدلي بسبب خطأ عابر. كان طيبا و كان الرسوب في المدرسة أهون و يختلف عن الرسوب في الجامعة .
أغلقتُ هاتفي الخلوي و فتحت صفحتي الشخصية في الموقع الالكتروني للجامعة, تأكدتُ تماما من رسوبي في المادة, فعدتُ أبكي بحرقة, اتصلتُ بصديقتي في الدراسة و أخبرتها بكربي هذه الليلة, صارت تهوّن علي و تخفف عني.. انتهت المكالمة و بقيتُ متسمرة أمام شاشة الحاسوب, بسبب هذه المادة ضاع نومي و فقدتُ المنحة !.
اتجهتُ إلى مقر شؤون الطلبة في الجامعة كي أقدم طلب مراجعة في المادة المشئومة, فوجئت بأن الطلب أرسل إليهم الكترونيا دون علمي!, و هكذا عرفتُ أن خمس دنانير أخذوها من حسابي و لكن سدى, فقد تلقيت رسالة منهم تخبرني ” طلب المراجعة مرفوض.. لا تستحق النجاح “.
لطالما تعاطفت مع الراسبين و لطالما تدرّبت على تلقي الصدمات, و لكن الشعور بالرسوب ذاته اكتشفت أنني لم أكن أشعر به كما يجب , فأي مضاد حيوي يقتل بكتيريا انكسار حطّم القلب من أوسع صماماته!. بعد رسوبي في المادة, دخلنا فصل دراسي جديد, كانت معنوياتي منخفضة و بسمتي باهتة, جلستُ في آخر مقاعد في القاعة, لم أكن أطيق أن أرفع رأسي عن رواية العمى لساراماغو لأجل أن أرى نفس الدكتور يدرسني و الذي قال لي ” لقد رسبتِ في المادة التي أدرّسها.. ألم أقل لكِ أنني عنيد “.
اللعنة, من بعد تلك المحاضرة اختفيتُ و قررتُ أن أسحب المادة و أسجلها في فصل جديد مع دكتور يقدّر طلابه و يعاملهم بأدب و احترام.


[ – العمى و اللغة اللاتينية.
من مذكرات قديمة. ]

One thought on “العمى و اللغة اللاتينية

Leave a Reply

Fill in your details below or click an icon to log in:

WordPress.com Logo

You are commenting using your WordPress.com account. Log Out /  Change )

Twitter picture

You are commenting using your Twitter account. Log Out /  Change )

Facebook photo

You are commenting using your Facebook account. Log Out /  Change )

Connecting to %s