قِصّة الشَّعر الذي تحوّل إلى صندوق خواتم

كان صباحا باردا.. كنت في طريقي إلى البيت, استوقفني منظر عصفور يقف وسط الطريق, نظرت إليه مندهشة, لأنه لم يخاف مني و لم يطر بعيدا عني, اقتربت منه بتوجس, تعمّدت أن أصدر صوتا كي أربك الطائر و أجعله يبتعد. كان وجود الطائر معي في نفس الطريق أمرا مثيرا للفضول. و حين لم يعد بيننا مسافة, مددت يدي للعصفور, فوجئت أنه بدأ يحك جناحه بأصابعي, حملته بين يدي, كان صغيرا جدا, و يبدو أنه لتو فقس من البيضة. حدجت بصري حولي, نظرت إلى الأشجار, تفحصت الأغصان,  لم أجد طيورا, و لم ألمح  أي عشّ.كان غريبا أنني لأول مرة أخلع حجابي و أضع العصفور فيه, و كانت تلك أول مرة أمشي في الشارع و رأسي غير مغطى, كانت النساء المحجبات ينظرن إلي و يتهامسن عني, لم أعير أحدا اهتمامي, كان العصفور أهم من أي شيء آخر.
دخلت غرفتي, كان العصفور يرتجف من البرد, لم أعرف كيف أتصرف في تلك اللحظات الحرجة, شعرت أن حياتي سوف تتوقف إذا فقدت العصفور, و لوهلة علقت حريتي على أجنحة ذلك الكائن الصغير, و ربطت آمالا سريعة في ريشه.. فكّرت كيف تتغير حياتنا في دقيقة؟ كيف نصاب بالجنون بسبب تافه؟. و لكن هل العصفور شيء تافه؟. تراجعت عن إعطاء العصفور قيمة تافهة, و منحته دفئي, لقد تخليت عن معتقداتي لأجل كائن صغير تافه.أوه, ها قد عدت لإذلال العصفور, حسنا, لنتفق أن قيمة الكائنات ليس بحجمها و ليس بنوعها. و حتى ليس بجنسها. صديقتي نداء كبيرة و قوية, و لكنها تافهة, هنا أنا أعتبر العصفور أهم من نداء.
تركت العصفور يدفأ في حجابي, و وقفت أمام المرآة, كان شعري ناعما و لونه الأسود جذابا و مثيرا. ذات مرة نصحتني نداء أن أقصه قائلة بجدية ” قصيه كي لا يتدفأ الرجال به”. لكنني لم أفعل ذلك, فأنا أحب شعري طويلا, منسدلا على كتفي مثل نهر رقيق.كنت واقفة أمام المرآة, أفكر في أشياء كثيرة, و بينما كنت أغرق في أفكاري أكثر فأكثر, كانت أصابعي تدوّر شعري, بدا شعري مثل صندوق خواتم, ملولوا و مبعثرا, لفت انتباهي شكل رأسي في المرآة, بدا مثل خروف جائع, ضحكت بصوت عال حين بدت أفكاري تنصب على شعري, و فجأة أطلقت ضحكة هستيرية مجنونة, قفزت إلى رأسي فكرة الخلاص, سوف أفرغ صندوق رأسي من الخواتم, سوف أقص شعري, و أصنع منه عشا للعصفور الذي يتجمد من شدة البرد.
وضعت كومة الشعر عند قدم سريري, و وضعت العصفور في مكان قريب منها, ابتعدت قليلا كي أترك للعصفور حرية التصرف, راقبته من بعيد, بدأ يحرك أجنحته كأنه يقول لي “شكرا”, ثم بدأ بنقل الخواتم خاتما خاتما, و هكذا بنى لنفسه من شعري عشا عند قدم الطمأنينة.شعرت بأنني فعلت شيئا عظيما, فقط لأنني أنقذت حياة عصفور.
بعد أيام, تكونت صداقة قوية بيني و بين العصفور, لم أكن استطيع أن أخرج من البيت بدونه, و طبعا كنت أخرج و رأسي مغطى بشال, أما العصفور, فكنت أضعه في حقيبة صغيرة.و في يوم ثلاثاء جميل, تحوّلت حياتي إلى جحيم, لقد مات عصفوري بين خواتمي. دفنته في إحدى مزهريات البلكونة,  صارت الورود تتفتح من ريشه , و صارت فراشات ملونة و سعيدة تطير من جثته الصغيرة. أما أنا فلم أترك تلك العادة الغريبة, كنت أحب أن ألَوْلو شعري. بعد أشهر قليلة, طول شعري و فوجئت بأنه مجعدا و تقرر بأن يصير رأسي صندوق خواتم إلى الأبد.

Leave a Reply

Fill in your details below or click an icon to log in:

WordPress.com Logo

You are commenting using your WordPress.com account. Log Out /  Change )

Twitter picture

You are commenting using your Twitter account. Log Out /  Change )

Facebook photo

You are commenting using your Facebook account. Log Out /  Change )

Connecting to %s