تلقيت رسالة من سيدة أمريكية تعيش في كاليفورنيا, تكتب فيها ” أرجوك كوثر, أريدك أن تعرفي أن هنالك الكثير من اليهود في أمريكا يشعرون بهذا الحزن تجاهكم”, و تقصد ذلك الحزن المندمل في القلب و الذاكرة الفلسطينية منذ النكبة و مآسي ما بعدها.. أرفقت السيدة رسالتها برابط لمقال بعنوان ” حداد العام اليهودي الجديد“, و هو مقال لأستاذ الدراسات اليهودية مارك ايليس.
الكاتب قال: أنا يهودي. و أنا أقول: أنا فلسطينية.. إليك ما أريد قوله:
لا أريد أن أقيم حدادا هنا, و لا حتى جنازة كي أحمل ذكرياتي القاتمة على كتفي و أمشي برأس مدفون في الأرض. كلنا سمعنا خطابات سياسية بما فيه الكفاية, قرأنا مقالات, شربنا كذب الوعود, شبعنا أخبار و تعليقات.. كلنا وقعنا ضحية الطمع السياسي البذيء, كلنا عانينا من الجشع و الاضطهاد و التشريد.. كلنا نحن الفلسطينيين متنا ألف مرة كي نولد من جديد..
نعم, لا أريد أن أقيم حدادا, و لا أريد أن أمزق ثيابي على سخافات التاريخ, على هذه المسرحية الهزلية التي لم تنتهي حتى الآن.
الحداد لن يقتل الأحزان, و تمزيق الثياب لن يحيك لنا ثوبا جديدا للأفراح.. ربما قليلا من الأحلام البريئة سوف تهزم ذكرياتنا الدموية. هل أنا حمقاء؟.
ذات مرة كتب إليّ صديق سويدي يعيش في أمريكا, لتوه عاد من تل أبيب إلى وطنه: ” يوما ما, سوف ترين, ستقولين لي “مرحبا” عن قرب, سوف نرتشف القهوة في احد المقاهي في تل أبيب حيث سأكون مستمتعا بصيف حار مع أصدقاء قدامى.. بالمقابل سوف آتي إلى غزة و أقول لكِ “مرحبا”, سوف نلتهم بعضا من البقلاوة, و نطعم قناديل البحر, و نتمشى على امتداد الشاطئ. هل تقبلين هذه الصفقة؟ “
شعرت بعد أن قرأت رسالته بمزيج من المشاعر, حزن و فرح, أمل و يأس, مشاعر أغلبها فرح. تساءلت ” هل سوف يأتي اليوم الذي أزور فيه تل أبيب؟”. 21 عاما و أنا لم أر في وطني غير غزة, لم تطأ قدمي تل أبيب, حيفا, يافا, عكا, بئر السبع… حتى العاصمة, القدس, لم أرها في حياتي أبدا. حقا انه المضحك المبكي!!.
صديقي يستطيع زيارة تل أبيب وقتما يشاء, أيضا يستطيع زيارة القدس.. يستطيع زيارة كل الأماكن الفلسطينية إلا غزة, بينما أنا لا أستطيع إلا أن أقضي جل حياتي في مدينة غزة!. هل أتوسل: عزيزتي إسرائيل: اسمحي لي بزيارة قريتي التي قتلتِ أهلي فيها عام 1948؟, قريتي التي دمرتِ بيوتنا و قلوبنا فيها ثم حولتها إلى محمية طبيعية لا يمكن أن يزورها أهلها؟.
إذا كانت الحروب سوف تعيدني إلى وطني, سوف تحقق أحلامي, فما الفائدة منها, إن كنت سوف أفقد أعز ناس إلى قلبي؟. هل أعود إلى وطني بلا أهل؟. متى سوف يحين وقت استرداد الحريات بسلام و بدون حروب؟. بالأحرى, متى سيتوقف العالم عن اقتراف الحروب؟ .
في هذه الأيام يحتفل اليهود بعامهم الجديد, احتفلوا.. بحق السماء ارقصوا على جثثنا كل عام, لأن كل عام تزهر جثث الأبرياء سلاما و حبا.. شئتم أم أبيتم.
أنا هنا الآن لكي أشكر السيدة الأمريكية التي صنعت نهاري, و جعلتني أشعر بأمل جيد في تضامن العالم مع أحزان الفلسطينيين و عدم نسيانهم معاناتهم المستمرة حتى يومنا هذا.
شكرا سيدة نولي !
اللهم فرج كرب بلادكم ..رائع!!
LikeLike