سطل قهوة في إسطبل الحمير !

كما لكل شيء تاريخ حتى أرذل الشخصيات لها تاريخ يُذكر في الكتب و أحيانا يتحوّل إلى مجد و احتفالات و مهرجانات جدية أو تهريجية, فللحمار أيضا تاريخ زاخر بالعبر تارة و بالسخرية تارة أخرى. تقول كتب التاريخ أن الحمار وجد لأول مرة في الصومال منذ ما يقارب ال 12 ألف سنة, و في خلال 1800 سنة وصل الحمار إلى الشرق الأوسط, و حاليا يتواجد في العالم حوالي 44 مليون حمار ! .
يحظى الحمار بشهرة واسعة أكثر من غيره من الحيوانات, فمن ناحية الاستعمالات, استفاد الإنسان منه كثيرا في شتى المجالات: اقتصاديا و طبيا و سياسيا, و حتى أدبيا !, فمن الناحية الاقتصادية صارت بعض الشركات تستخدم لحم الحمير في إنتاج معلبات خاصة للحيوانات الأليفة كالقطط و الكلاب و كطعام للحيوانات المتوحشة كالنمور و السباع. طبيا: أثبتت الدراسات العلمية انه يمكن استخلاص عقاقير ومنشطات جنسية من جلود الحمير دون أية آثار جانبية, و سياسيا جند الحمار في الحروب و في مهمات تهريب الأسلحة كما في العراق و أفغانستان, بينما استخدم في المقاومة الفلسطينية لنقل الحجارة و لتفجير القنابل عن بعد, و في الحرب العالمية الأولى, عام 1914 استخدمه البريطاني سيمسون في القوات الاسترالية الإمبراطورية كإسعاف لنقل الجرحى و المصابين!.
في المعابد المصرية القديمة, رسم اله الصحراء على شكل حمار, و في الأساطير اليونانية ظهر كرمز لتبجيل المتعة, و في الرسومات المسحية يظهر المسيح ممتطيا الحمار, و في العهد القديم سمي ملك نابلس ” حامور” .. كما أنه ذكر في القرآن في أكثر من سورة مثل سورة لقمان و البقرة و فاطر و النحل و الجمعة..
أنقلك الآن عزيزي الإنسان إلى حميرنا الثقافية, فالحمار لم يفلت من حمل أسفار الروايات و القصص و الأشعار, أقدم حمار كُتب في تاريخ الأدب قرأناه في رواية ” الحمار الذهبي ” التي كتبها لوكيوس أبو ليوس في القرن الثاني الميلادي, و في القرن الثامن الميلادي ذكر الحمار في ” كليلة و دمنة” لابن المقفع, و في عام 1945 كتب جورج أوريل روايته ” مزرعة الحيوانات ” و جاء فيه الحمار بنجامين, و كان للحمار حظه الوافر في أدبنا العربي مع توفيق الحكيم في حياته الشخصية و في كتبه: “حمار الحكيم”، و “كتاب حماري”، و “قال لي الحمار”.. كما رافقنا الحمار في رواية “المتشائل” للروائي الفلسطيني إميل حبيبي, و في الشعر العربي صرخ شاعر قديـــم: ” لقد ذهب الحمار بأم عمرٍ…فلا رجعت ولا رجع الحمارُ”, و في لافتات الشاعر الثائر أحمد مطر نقرأ:
وقفت في زنزانتي
أقلب الأفكار
أنا السجين ها هنا
أم ذلك الحارس بالجوار؟
فقال لي الجدار
إن الذي ترثى له قد جاء باختيار
وجئت بالإجبار
وقبل أن ينهار فيما بيننا
حدثني عن أسد
سجانه حمار.
نختتم ثرثرتنا حول سطل القهوة بأبيات شعرية لأحمد شوقي, يقول فيها:
سقط الحمار من السفينة في الدجى …. فبكى الرفاق لفقده وترحموا
حتى إذا طـلـع النـهـار أتت …. به نحو الســفينة موجة تتقدم
قـالــت خذوه كما أتاني …. سـالما لم ابتلـعـه لأنـه لا يهضم .
الآن أترككم مع فاصل من النهيق الطويل !

One thought on “سطل قهوة في إسطبل الحمير !

Leave a Reply

Fill in your details below or click an icon to log in:

WordPress.com Logo

You are commenting using your WordPress.com account. Log Out /  Change )

Twitter picture

You are commenting using your Twitter account. Log Out /  Change )

Facebook photo

You are commenting using your Facebook account. Log Out /  Change )

Connecting to %s