لن ينسى لون قمصانهم الزرقاء, و سيظل حاقدا على السماء مهما عاش, صار الأزرق ركام ذاكرته الذي لا يردمه النسيان. كانوا حوالي خمسين ولدا من أولاد صفّه, الصف الخامس الابتدائي “ج”, تحلّقوا حوله في ساحة المدرسة و ضحكاتهم تخنقه, سعيد يترأسهم و يهتف ” رائع “, يصفق الأولاد و يهتفون بعده ” راااائع “, يزلزلون كيان الطفل الصغير, يطأطئ رأسه و يودّ لو تبتلعه الأرض قبل أن تهزم عينيه الدموع, إلا أنه يستسلم لضعفه الطفولي البريء و يبكي بصوت عال, يلتم طلاب المدرسة حول الطفل ” الرائع” و يزفونه زفة الجحيم !.. رائع, رائع, رائع !!
ألبسته المدرسة اسم ” محيي الرائع”, المدرسون و الطلاب و المدير و آذن المدرسة.. ” يا رائع ليش ما حليت واجبك؟”, يا رائع جيب من عند المدير دفتر التحضير, رائع تعال نلعب, رائع رائع رائع.. أي كابوس هذا الذي يلاحقه منذ الصف الخامس؟. كره الكتب و الدفاتر, و أصابته حالة كآبة تستولي عليه صباحا, في الوقت نفسه الذي كانت تنطلق منه جوقة “رائع” منذ خروجه من البيت و حتى وصوله إلى المدرسة و انتهاء الدوام.
سنة كاملة من ال “رائع”, سنة كاملة من البكاء, سنة كاملة من البحث عن جحر الاختفاء و الهروب من طبول طلاب المدرسة. يا إلهي لماذا جعلتني “رائع”؟..
يستيقظ في آخر الليل من نومه فزعا, غارقا في بحر عرق أشد ملوحة من دموعه, يقفز عن سريره, ينظر إلى القمر و يتوسّله بأن لا يغيب حتى يطول الليل و لا يأتي نهار المآسي, و شمس رائع..
كان يتمنى أن يخبر أمه عن كابوسه اليومي, لكنه في كل مرة يقرر أن يخبرها كان يتراجع خوفا من أن تُشيع الخبر بين اخوته فتنتقل عدوى الطبول إليهم و يفعلون مثلما يفعل طلاب المدرسة معه, يكفيه ما يلاقيه في المدرسة, لا ينقصه أن يلقبوه في البيت بِـ “رائع”, فضيحة, وجع, دموع عملاقة, أكبر من طفل تقزّمت مشاعره بسبب أنفه المشوّه.
مخطوفا بالهلع, تسلل من بين أصدقائه في الطابور المدرسي, هرول إلى الصف متخفيّا قبل أن يلتقطه المدير, كم كان الطفل خائفا من الرجل الأجنبي الذي بدأ يصوّر الطلاب فرادا و جماعات, تشاجر الطلاب على الوقوف في الصف الأول من الطابور, انتشر المصورون الأجانب و شرعوا يلتقطون الصور الكثيرة لأخذها معهم إلى بلادهم الشقراء البعيدة, كدليل على بهجة الطلاب اللاجئين في مدارس وكالة الغوث و حقهم في الحياة و التعليم. أغلق محيي خلفه باب الصف, لا يدري كيف يتصرف و ماذا سيفعل؟, استرق نظرات سريعة إلى أصدقائه و هم يتعاركون على الكاميرا, كان سعيد الملعون يربح أكثر من صورة, لم تكن لسعيد ملامح الطفل, كان جسده يحمل جثة شاب سيكون ملاكما, و بالرغم من أنه طالب راسب إلا أن الأساتذة يعاملوه مثلما يعاملون الأوّل على الصف, روحه الحيوية و فكاهته اللطيفة كانت كفيلة بأن تُبرزه أمام الأساتذة بمظهر الطالب الذكي الذي يسلب لهوه علاماته في الامتحانات.
أحيانا يتحوّل المدح إلى ذم, ” رائع ” أقسى ذم يتقاذفه الطلاب, أمسك محيي إصبع الطباشير و هو يرتجف و كتب كلمة “رائع” ثم محا الكلمة و شعر بانتصار ساذج على أنفه!, تحسس بيديه أنفه, ضغط عليه بعنف, تأوّه بصوت خفيض, راح إلى لوح الألمنيوم المعلّق قرب السبورة, تأمل أنفه, يا لها من مأساة أن ينبت على أنفكَ دملا متقيحا يشبه حبة أجاص فاسدة, غضب من شكله البشع و خربش اللوح بأظافره. جلس على طاولة الأستاذ, و سرح بأفكاره إلى البعيد.. إلى مدرسة في مخيم لا يعرف لاجئوه قصة أنفه و لا يلتفتون إلى دمله و لا يعيرون تشوّه وجهه اهتماما أو تقززا.. حلم بمدرسة جميع طلابها يملكون ثمرة أجاص فاسدة تنمو على أنوفهم..
– محيي
ثمة صوت أجش يناديه من ساحة المدرسة.. نهض الطفل من أفكاره و أحلامه, إنه سعيد, يطارده حيثما هرب و اختبأ, تظاهر بعدم سماعه و لم يردّ أو ينظر إليه من نافذة الصف, لكن المسكين لم ينجُ من شر سعيد, دفع باب الصف بقبضته, و شدّ محيي من كم قميصه.. التصق الطفل بطاولة الأستاذ, سعيد يشده و هو متشبث بحواف الطاولة, ساقاه ترتعدان و لا يتخيّل نفسه واقفا أمام عدسة الكاميرا لتطلع صورة أنفه في أقبح صورة, حتما سوف يتكاثر جمهور “رائع” في كل البلاد, و سيضحك الطلاب الأجانب على شكله بسخرية بذيئة.. انفلتت يداه من الطاولة, وقع على الأرض, ارتطم أنفه بقدم الطاولة, تدحرجت الاجاصة الفاسدة بين المقاعد, سال نهر عديم اللون, تلطّخت أصابع سعيد بالنهر الرائع !
ألبسته المدرسة اسم ” محيي الرائع”, المدرسون و الطلاب و المدير و آذن المدرسة.. ” يا رائع ليش ما حليت واجبك؟”, يا رائع جيب من عند المدير دفتر التحضير, رائع تعال نلعب, رائع رائع رائع.. أي كابوس هذا الذي يلاحقه منذ الصف الخامس؟. كره الكتب و الدفاتر, و أصابته حالة كآبة تستولي عليه صباحا, في الوقت نفسه الذي كانت تنطلق منه جوقة “رائع” منذ خروجه من البيت و حتى وصوله إلى المدرسة و انتهاء الدوام.
سنة كاملة من ال “رائع”, سنة كاملة من البكاء, سنة كاملة من البحث عن جحر الاختفاء و الهروب من طبول طلاب المدرسة. يا إلهي لماذا جعلتني “رائع”؟..
يستيقظ في آخر الليل من نومه فزعا, غارقا في بحر عرق أشد ملوحة من دموعه, يقفز عن سريره, ينظر إلى القمر و يتوسّله بأن لا يغيب حتى يطول الليل و لا يأتي نهار المآسي, و شمس رائع..
كان يتمنى أن يخبر أمه عن كابوسه اليومي, لكنه في كل مرة يقرر أن يخبرها كان يتراجع خوفا من أن تُشيع الخبر بين اخوته فتنتقل عدوى الطبول إليهم و يفعلون مثلما يفعل طلاب المدرسة معه, يكفيه ما يلاقيه في المدرسة, لا ينقصه أن يلقبوه في البيت بِـ “رائع”, فضيحة, وجع, دموع عملاقة, أكبر من طفل تقزّمت مشاعره بسبب أنفه المشوّه.
مخطوفا بالهلع, تسلل من بين أصدقائه في الطابور المدرسي, هرول إلى الصف متخفيّا قبل أن يلتقطه المدير, كم كان الطفل خائفا من الرجل الأجنبي الذي بدأ يصوّر الطلاب فرادا و جماعات, تشاجر الطلاب على الوقوف في الصف الأول من الطابور, انتشر المصورون الأجانب و شرعوا يلتقطون الصور الكثيرة لأخذها معهم إلى بلادهم الشقراء البعيدة, كدليل على بهجة الطلاب اللاجئين في مدارس وكالة الغوث و حقهم في الحياة و التعليم. أغلق محيي خلفه باب الصف, لا يدري كيف يتصرف و ماذا سيفعل؟, استرق نظرات سريعة إلى أصدقائه و هم يتعاركون على الكاميرا, كان سعيد الملعون يربح أكثر من صورة, لم تكن لسعيد ملامح الطفل, كان جسده يحمل جثة شاب سيكون ملاكما, و بالرغم من أنه طالب راسب إلا أن الأساتذة يعاملوه مثلما يعاملون الأوّل على الصف, روحه الحيوية و فكاهته اللطيفة كانت كفيلة بأن تُبرزه أمام الأساتذة بمظهر الطالب الذكي الذي يسلب لهوه علاماته في الامتحانات.
أحيانا يتحوّل المدح إلى ذم, ” رائع ” أقسى ذم يتقاذفه الطلاب, أمسك محيي إصبع الطباشير و هو يرتجف و كتب كلمة “رائع” ثم محا الكلمة و شعر بانتصار ساذج على أنفه!, تحسس بيديه أنفه, ضغط عليه بعنف, تأوّه بصوت خفيض, راح إلى لوح الألمنيوم المعلّق قرب السبورة, تأمل أنفه, يا لها من مأساة أن ينبت على أنفكَ دملا متقيحا يشبه حبة أجاص فاسدة, غضب من شكله البشع و خربش اللوح بأظافره. جلس على طاولة الأستاذ, و سرح بأفكاره إلى البعيد.. إلى مدرسة في مخيم لا يعرف لاجئوه قصة أنفه و لا يلتفتون إلى دمله و لا يعيرون تشوّه وجهه اهتماما أو تقززا.. حلم بمدرسة جميع طلابها يملكون ثمرة أجاص فاسدة تنمو على أنوفهم..
– محيي
ثمة صوت أجش يناديه من ساحة المدرسة.. نهض الطفل من أفكاره و أحلامه, إنه سعيد, يطارده حيثما هرب و اختبأ, تظاهر بعدم سماعه و لم يردّ أو ينظر إليه من نافذة الصف, لكن المسكين لم ينجُ من شر سعيد, دفع باب الصف بقبضته, و شدّ محيي من كم قميصه.. التصق الطفل بطاولة الأستاذ, سعيد يشده و هو متشبث بحواف الطاولة, ساقاه ترتعدان و لا يتخيّل نفسه واقفا أمام عدسة الكاميرا لتطلع صورة أنفه في أقبح صورة, حتما سوف يتكاثر جمهور “رائع” في كل البلاد, و سيضحك الطلاب الأجانب على شكله بسخرية بذيئة.. انفلتت يداه من الطاولة, وقع على الأرض, ارتطم أنفه بقدم الطاولة, تدحرجت الاجاصة الفاسدة بين المقاعد, سال نهر عديم اللون, تلطّخت أصابع سعيد بالنهر الرائع !
قصه رائعه ومؤثرمبروك عليك شكل المدونه الجديدووفقك الله
LikeLike
واو حلو كتير !داليا طه
LikeLike