كلّ لون فوق وجه الأرض .. )
من قصيدة الموت و العناق لمحمد القيسي
كنتُ أستعد لتقديم امتحان اللغة الانجليزية في الجامعة حين وصلني خبر موت الشاعر محمود درويش, كانت صدمة قد تهيّأتُ لها مسبقا إذ إنني كنتُ أعرف أن درويش يرقد على فراش المرض في احدى مستشفيات ولاية تكساس الأمريكية و حالته الصحية تزداد سوءا, و لكن الموت لا تخفف المهدآت صدمته و لا تمسح دموعه أي توقعات عن تأخره.. وقع رأسي على المكتب و أجهشت في بكاء مالح, ذابت ملاحظاتي المكتوبة على الكتاب و انتشر ضباب رمادي في عيني, تغبّشتْ رؤيتي في قاعة الامتحان و خرجتُ من القاعة مسرعة إلى البيت.. كان ذلك في صبيحة نقل جسد درويش إلى رام الله و مراسم العزاء الطويل.
لا زلتُ أذكر تاريخ رحيله في 8/8/2008 , يومها اضطهدت الغيوم سماء فلسطين, و تلوّنت الدنيا بالسواد, بقيتُ متسمّرة أمام شاشة التلفاز أنظر إلى الجسد الثائر و هو مكفنا بعلم الوطن المحتل, كان أبي يكتم حزنه على الفقيد و بين الفينة و الأخرى يتذكر أشعاره و يغنيها بشجن عميق, و قبل أن يواري درويش ثراه, نظرَ إلي أبي متذكرا الأمسية الشعرية التي حضرها في بيروت و كان محمود درويش وقتذاك في أوج ثورته ضد المحتل, يعلو صوته الحادّ في قصيدة ” سجّل أنا عربي “..
هنا أستذكر رحيل الشاعر ” محمد القيسي” أمير الصعاليك ( كما سمّاه محمود درويش) و الذي مات قبل خمس سنوات من موت محمود درويش ( 1/8/2003).. تمتد الذكرى إلى رحيل الشاعر عايد عمرو في نفس السنة التي مات فيها درويش ( 6/12/2008) و الذي سمّاه صديقه زياد خداش, أيضا بأمير الصعاليك, و كأن لتلك الصداقة بينهم حميمية الصعاليك و رابطة الشاعر الجوال الذي لا يستقر في مكان واحد, إذ كان القيسي صديق حميم لعايد عمرو و زياد خداش.
لم يكتب أحد في ذكرى رحيل القيسي, و انشغل الكتاب في تأبين ذكرى درويش في 8/8 من هذا العام, يومها عدتُ إلى قصائد محمد القيسي, و قرأتها وحدي على ذكراه, و يدي على قلبي تتساءل ” أي كاتب/شاعر سيموت هذا العام ؟!”, لم أعتب على شعرائنا لأنهم لم يؤبنوا ذكرى القيسي, فالموت أسرع من الكلمات, و كاتب وراء كاتب يغادرنا و يمضي إلى عالمه الآخر تاركا خلفه أوراقا و دفاترا تغنيها الطيور و النساء..
أشعر بالجهل الكبير كلما اقدم احد ما على ذكر اعلام فلسطينية لم اقرأ لها ولا أعرفها .. لكني وبلا شكْ أبجلها .. عرفتها ام لا ..صعاليك..صعاليك صعاليك .. لهذا الاسم وقع عجيب .. ومااجمله اذا اقترن بهم
LikeLike