لقد تعبت من القراءة, و بالرغم من ذلك لن أندم على عزلتي لساعات في مغارة كتاب سيقدّم لي الحياة برفق. أمس اكتشفتُ أن نصوص”ترابها زعفران”(لادوار الخراط) كان أجملا حين قرأته في طفولتي, لكنني الآن أعيد قراءة النصوص بفتور و ملل, أتأكد من وعيي بما أقرأ, فأكتشف أيضا أنني لا أحب أدونيس, و أن طفولتي القارئة كانت أشبه بمسرح دمى. كنتُ أجوب المكتبات: الهاشمية, رشاد الشوا, الهلال, اليازجي, الشروق.. وراء زجاج مكتبة الشروق أتسمّر, صديقاتي لا يجرؤن على الاحتجاج لأنني أستوقف طريق عودتهن إلى البيت, أسحبهن معي كالسحابات إلى جوف المكتبة, أظل لوقت طويل, أتنقل بين أقسام المكتبة, أتصفح رواية, أستلطف غلاف كتاب, يجذبني عنوان, ألتقط اسم كاتب أحب كتبه, في النهاية أذهب إلى صاحب المكتبة, أمطر أسئلتي عليه, هل تدخل الكتب في هذا الوقت؟ اغلاق المعابر يؤثر؟ فتحي البس؟ ماله؟ الشروق فرع لرام الله و عمّان؟.. الرجل يضيق ذرعا مني, أجفف أسئلتي و أطلب منه أن يبحث لي عن كتاب لفلان و عن الكتب التي تتوفر للكاتب الفلاني, ينكب على جهاز الحاسوب أمامه و يبحث لي عن أسماء لن أجد أي كتاب لها في “الشروق”, أغرب عن المكتبة لأشهر و أشتاق إلى مشاكسة مكتبة أخرى..
معي الكثير من الكتب التي لم أقرأها: امرأة في الثلاثين, إذا جاء الشتاء, غراميات مضحكة, شتاء في يوليو, الحب عند العرب, سيكولوجية المرأة…. إلخ, أمدّ يدي في درج المكتب, أغرف ذاكرتي, ذاكرتي ممتلئة بالفراغ, مخرمة و تنهشها الثقوب, ألتقط رسالة من أحدهم, قديمة جدا, أقرأ فيها قائمة وصايا من كاتب لقمانيْ إلى ابنته التي ستكون يوما كاتبة ذات شأن!!. هل حقا سأكون كاتبة عظيمة بعد خمس سنوات كما قال و تنبأ الصديق الشاعر عثمان حسين!.
ليلة أمس, أطفأتُ ضوء الغرفة, كان الليل يدلف إلى هزيعه, و كنتُ أغرقُ في ظلّي المقمر شيئا فشيئا, أفكّر في ” العتمة ” ( رواية لجوزيه ساراماغو ), تخيّلتُ أنني فجأة أصاب بالعمى, و أنا أبتسم لطفل أو حين أصحو من نوم لذيذ, بلا سبب أفقد بصري !, مسني الخوف و قررتُ أن أتدرب على العمى, في الصباح, قفز قرص الشمس إلى عينيّ, غطيتهما بيديّ و حجبت الشمس عنهما, يجب أن أعتاد على ” العتمة ” بدون شمس أو مصباح.. ما زلتُ في بداية ” العمى “, أقرؤها كأنني أستقبل أحزانا و هموما غير متوقعة, من سيصاب غدا بالعمى؟ آ.. اليوم في سياة الأجرة التي أقلتني إلى بريد ” أرامكس” جلس إلى جانبي رجل طاعن في العمى, وخز كتفي بقطعة النقود, و قال ” ادفعي الأجرة عني “, تقلصت ملامح وجهي متسعة البهجة و الابتسام, أخذت من يده البيضاء قطعة النقود الحديدية, كان الحديد ساخنا, ألهب أصابعي وجعا, دفعتُ للسائق أجرته عني و عن الأعمى, و قبل أن أنزل من السيارة دسستُ قطعة نقود أخرى في جيب قميص الأعمى!, إنها أجرة التعرف شخصيا على “العمى”..
استلمتُ البريد من الموظفة بعدما تأكّدت من هويتي و وقّعت على ورقة ثبوتية!. كان صباح غزة في مهده, الشوارع نقيّة و لم يتلوث الهواء بزفرات المتذمرين و تناهيد الحالمين بعدْ. تمشّيتُ في شارع ” فلسطين “, لوقتٍ طويل بقيتُ أتمشى, فلسطين فوانيس رمضان, حلوى عيد, طفولة, امرأة, رجل في الأربعين, طيش مراهق, “فلسطين” شارع أفتح فيه بريدا مليئا بقصص الحب و الموت و الجنون.. جنون زياد خداش, سأوزعه على صبايا و أطفال يكبرون بصخب و أمل, يصعدون تلالا و يزرعون لوزا و فستقا و خروبا. في الشارع الطويل يصدح صوت الكتب ” خذيني إلى موتي.. خذيني إلى موتي.. خذيني إلى موتي “, أرعبني الصوت و صرت أركض في الشارع وحدي, لم تكن البيوت قد نهضت بعد!. فجأة يوقفني صوت هاتفي الخلوي, أنزوي تحت شجرة, أقرأ رسالة من صديقتي المقدسية ” صباحك فلسطين كوثر “, أبتلع هواء و نفسا عميقا, أسير بهدوء.. بهدوء أدخل القاعة, تقبّلني الدكتورة مي نايف, دائما تقبلني!, أهديها نسخة من كتاب” خذيني إلى موتي” و كتاب ” كأن شخصا ثالثا كان بيننا”, تشكرني و تبرق عيناها بالفرح, أقول لها بخجل ” اشكري زياد”.
اثنتي عشر نسخة من “خذيني إلى موتي”, نادية تنتظر نسختها, إباء و أحمد و البقية غدا سيأخذون نصيبهم من الجنون في الأمسية الشعرية في جاليري الميناء, مريم أصرت أن تأخذ نسخة, وضعتها في حقيبة السفر لتقرأها مع خطيبها في الامارات, تنازلتُ و أعطيتُ نسخة لطالبة جامعية لا أعرفها لم تتركني إلا بعد أن أخذت مني ما تحب من الجنون.. سائق سيارة أجرة سرق مني نسخة!!, عاقبته و لم أعطته أجرته, لم يبال بأجرته, و قال لي ” صدقيني إنني أقرأ أكثر منكم”, آنذاك رأيتُ من نافذة السيارة سحابا أبيضا جامحا, كان يشبه قطيع غزلان تشع نورا أبيضا… إلخ إلخ
معي الكثير من الكتب التي لم أقرأها: امرأة في الثلاثين, إذا جاء الشتاء, غراميات مضحكة, شتاء في يوليو, الحب عند العرب, سيكولوجية المرأة…. إلخ, أمدّ يدي في درج المكتب, أغرف ذاكرتي, ذاكرتي ممتلئة بالفراغ, مخرمة و تنهشها الثقوب, ألتقط رسالة من أحدهم, قديمة جدا, أقرأ فيها قائمة وصايا من كاتب لقمانيْ إلى ابنته التي ستكون يوما كاتبة ذات شأن!!. هل حقا سأكون كاتبة عظيمة بعد خمس سنوات كما قال و تنبأ الصديق الشاعر عثمان حسين!.
ليلة أمس, أطفأتُ ضوء الغرفة, كان الليل يدلف إلى هزيعه, و كنتُ أغرقُ في ظلّي المقمر شيئا فشيئا, أفكّر في ” العتمة ” ( رواية لجوزيه ساراماغو ), تخيّلتُ أنني فجأة أصاب بالعمى, و أنا أبتسم لطفل أو حين أصحو من نوم لذيذ, بلا سبب أفقد بصري !, مسني الخوف و قررتُ أن أتدرب على العمى, في الصباح, قفز قرص الشمس إلى عينيّ, غطيتهما بيديّ و حجبت الشمس عنهما, يجب أن أعتاد على ” العتمة ” بدون شمس أو مصباح.. ما زلتُ في بداية ” العمى “, أقرؤها كأنني أستقبل أحزانا و هموما غير متوقعة, من سيصاب غدا بالعمى؟ آ.. اليوم في سياة الأجرة التي أقلتني إلى بريد ” أرامكس” جلس إلى جانبي رجل طاعن في العمى, وخز كتفي بقطعة النقود, و قال ” ادفعي الأجرة عني “, تقلصت ملامح وجهي متسعة البهجة و الابتسام, أخذت من يده البيضاء قطعة النقود الحديدية, كان الحديد ساخنا, ألهب أصابعي وجعا, دفعتُ للسائق أجرته عني و عن الأعمى, و قبل أن أنزل من السيارة دسستُ قطعة نقود أخرى في جيب قميص الأعمى!, إنها أجرة التعرف شخصيا على “العمى”..
استلمتُ البريد من الموظفة بعدما تأكّدت من هويتي و وقّعت على ورقة ثبوتية!. كان صباح غزة في مهده, الشوارع نقيّة و لم يتلوث الهواء بزفرات المتذمرين و تناهيد الحالمين بعدْ. تمشّيتُ في شارع ” فلسطين “, لوقتٍ طويل بقيتُ أتمشى, فلسطين فوانيس رمضان, حلوى عيد, طفولة, امرأة, رجل في الأربعين, طيش مراهق, “فلسطين” شارع أفتح فيه بريدا مليئا بقصص الحب و الموت و الجنون.. جنون زياد خداش, سأوزعه على صبايا و أطفال يكبرون بصخب و أمل, يصعدون تلالا و يزرعون لوزا و فستقا و خروبا. في الشارع الطويل يصدح صوت الكتب ” خذيني إلى موتي.. خذيني إلى موتي.. خذيني إلى موتي “, أرعبني الصوت و صرت أركض في الشارع وحدي, لم تكن البيوت قد نهضت بعد!. فجأة يوقفني صوت هاتفي الخلوي, أنزوي تحت شجرة, أقرأ رسالة من صديقتي المقدسية ” صباحك فلسطين كوثر “, أبتلع هواء و نفسا عميقا, أسير بهدوء.. بهدوء أدخل القاعة, تقبّلني الدكتورة مي نايف, دائما تقبلني!, أهديها نسخة من كتاب” خذيني إلى موتي” و كتاب ” كأن شخصا ثالثا كان بيننا”, تشكرني و تبرق عيناها بالفرح, أقول لها بخجل ” اشكري زياد”.
اثنتي عشر نسخة من “خذيني إلى موتي”, نادية تنتظر نسختها, إباء و أحمد و البقية غدا سيأخذون نصيبهم من الجنون في الأمسية الشعرية في جاليري الميناء, مريم أصرت أن تأخذ نسخة, وضعتها في حقيبة السفر لتقرأها مع خطيبها في الامارات, تنازلتُ و أعطيتُ نسخة لطالبة جامعية لا أعرفها لم تتركني إلا بعد أن أخذت مني ما تحب من الجنون.. سائق سيارة أجرة سرق مني نسخة!!, عاقبته و لم أعطته أجرته, لم يبال بأجرته, و قال لي ” صدقيني إنني أقرأ أكثر منكم”, آنذاك رأيتُ من نافذة السيارة سحابا أبيضا جامحا, كان يشبه قطيع غزلان تشع نورا أبيضا… إلخ إلخ
غزة.
:القراءة تُشبه الحياةلها مراحلها المُختلفةوكلّ مرحلة قد تنفصل عن الأُخرىوإن تشابهتْ لابد لمرحلةٍ ما الأولوية ..سعدت ياكوثر بقراءةِ مدونتكِ .,تحيّة
LikeLike
ديمه اني دائما اعشق الرحيل في الكتب ابني لنفسي عالمي ذو خصوصيه نادره اضحك ابكي او احلق في احلام لا حدود لها فشكرا للكتب التي نختبيء فيها
LikeLike