
● ● ●
تنتابني حالة من التذمر و الرغبة المجنونة في تكسير الصحون و الفناجين..قلبي يحزم أمتعته و يسافر إلى مدينة بعيدة قال يوما مريد البرغوثي أنه رآها!, تركت روحي تذهب مع باقي أحلامي إلى رام الله.. هناك حيث أفرطتُ في حب الوطن حد الرمل و الشمس, هناك حيث كان فجر شبق المرأة الصغيرة, و حيث قُرعت أجراس الحريق و فجأة كل شيء انطفأ مثل صدمة القيامة أو موت نبي.. تمد لارا لي كوبا كبيرا تسيل من أطرافه النسكافيه, تختلس نظراتها الحزينة إلى عيوني, تقول و هي ترقص بكامل أنوثتها المضطهدة: دعكِ من رام الله, لو حقا أن هذه المدينة تحبكِ لما سرقت منكِ .. ارتعشت أصابعي الملتفة حول الكوب, لاحظت ذلك لارا فسكتت و لم تتابع كلامها. هل يولد الانسان في مدينة و قلبه يولد في مدينة أخرى؟!. لارا ولدت مع قلبها في مدينة واحدة: غزة, و أغبطها على ذلك كثيرا كثيرا.. لا أعرف ما هو الخيط الخفي الذي يصلنا ببعضنا كي تستمر صداقتنا إلى ما بعد الحرب, التقينا صدفة في أمسية شعرية, كانت لارا تحمل في يدها كاميرا صغيرة من النوع الرديء, قذفت إليّ كاميرتها و طلبت مني أن ألتقط لها صورة مع طفل في السادسة من عمره, ثم التفتت في فراغ القاعة و قالت لي: صوري, لم أعرف ماذا أصوّر, ضحكت بصوت عالٍ وقالت: صوري حذائي. كانت مفعمة في تصوير الأحذية بكاميرا رديئة مقصودة, بعد الأمسية تبادلنا أرقام هواتفنا الخلوية و قلنا”باي”.. لم نتصل على بعضنا بتاتا إلا بعد الحرب تذكرنا بعضنا و اتصلنا!. ألحت على أن نلتقي مرة اخرى و حددت أن يكون لقاؤنا في مقهى دليس, في كل مرة كنت أبدي لها رفضي الشديد للقاء في مقهى ديليس, و لم أكن أعترف لها بسبب رفضي, اصرارها العنيد أجبرني على الذهاب إلى المقهى في صباح اليوم الأول من السلام, أدهشتني ملابسها الأنيقة و أكثر ما أدهشني هو كعب حذائها, كان طويلا لدرجة أنه لفت انتباه النادل الذي قدم لنا القهوة, قالت: الأنثى في كعب حذائها.
لارا امرأة ليست جميلة لكن ثمة فتنة ما مكتنزة في جسدها و حركاتها, الآن هي تكبر بصخب و تبلغ العقد الثالث من عمرها, ما تزال تسخر مني لأنني أرتعب من مقهى ديليس الذي لن يستطيع أحد أن يقنعني بأنه مقهى, الحرب غيّرت معنى المقاهي عندي, صار المقهى مكانا للجنس أو الموت.. أما مقهى ديليس فهو مكانا للموت. حين هربنا من بيتنا الذي حطت عليه ورقة انذار باخلائه فورا لأن الطائرات الحربية ستقصفه خلال ساعة, هرولت إلينا سيارة الهلال الأحمر و خبأتنا من الموت في خيمة بيضاء منتصبة بين مشفى الشفاء و بين مقهى ديليس, كان المقهى مغلقا و يبدو كالجحيم, بينما المشفى مفتوحا مثل سيل جارف للأموات و الدماء و الصيحات.. يومها ارتبطت صورة الجثث و الأشلاء المحملة في أكياس الطحين إلى المشفى بمقهى ديليس, كنت كلما شممت رائحة بارود ممتزج بالدم و اللحم و الخوف, قادمة مع سيارة الاسعاف إلى المشفى, أدير رأسي بسرعة إلى ناحية المقهى, و أغمض عيني خوفا و وجعا..
اندلق السائل البني من الكوب, شعرت بلذة سيلانه على ساقي, شهقت لارا و قالت: ساخن ساخن..بنت!,
احمرّت ساقي و توهجّ منها شعاعا مريضا, بللت لارا قطعة قماش بيضاء بالماء البارد و صارت تمسح بها على ساقي, يا لها من امرأة قنوعة ترضى بأي شيء المهم “الحياة”, أي امرأة مضطهدة تحب الحياة؟, زوجها يصنع منها تمثالا أو كأسا فارغا لسكب الشهوة في لحظة شبق و سكر..!.
أنا محبطة و متذمرة و قلقة وعاشقة و متهورة و متسائلة و محيرة وحالمة و ذكية و غبية و قريبة و بعيدة و أريد أن يمهلني الله ثانية قبل انتحاري لأقول للعالم: غرباء نحن.
..إنها قناعات .. ربما نرى الوردي أسود والعكسوكل شيء لا يعجبنا هو جنة بالنسبة للآخرينالحياة تحتاج إلى بعض التنازلات .. لم تعد تلك الحياة التي سمعنا عنها في حكايات البراءةولكن .. هناك شيءديليس مكان رائع هههه..نشوة أبجديتك والقهوة لا يقاومان ..وأوافق بالنسبة لـ غرباء نحن !
LikeLike
أهلا إتس مي؛ديليس و مزاج و آخرون لا أحبهم..أحب مطعم الشعب و بائع الخروب الجوال في "البلد"فقط :Dنوّر اللوز ..
LikeLike
أبي اشوف المقهىصوريه لنا بالموبايل ودخليه لنا خلينا نشوفهتسلمينعلياء
LikeLike
اهلا عزيزتي علياءسأصور لك المقهى و المشفى و الشارع الذي بينهما..منورة يا مختفية !
LikeLike