أيّ الليالي تريدين

ليلا يشق صدري زجاج أطرافه مسننة, يتسرب إليّ كائن يمتلك طاقة رهيبة, طاقة يمكنها تدمير العالم بلحظة مجنونة لا يستطيع أحد ايقافها.. آخذ احتياطاتي قبل حلول الليل, أنزل إلى الطابق السفلي من البيت, الشقة خالية من البشر سواي, أخاف أن أجد أحدا ما فتحطمه قوتي الغامضة, آخر النهار أعتزل العالم و أتحول إلى امرأة ليلية ملغمة بالحب و الشبق..
أترك قطتي في الغرفة و هي تموء كأنها تفهمني!, سأحذر التقاء أختي الصغيرة بعد لحظات, فالليل يطرق الأبواب.. و بابي من جحيم و نار, حملت كتبي و ركضت على الدرج إلى الأسفل..حيث الشقة الفارغة تنتظر امتلائي..
أغلقت الباب خلفي و دخلت بأقصى ما استطعت من هدوء.. سكن الليل فوقي, الطابق الثاني نام, أبي و أمي و جميعهم ناموا, جاء دوري في الحياة, الطابق الأول متصحر منذ الصباح, ها قد جئتُ إليه ليرتوي من نبعي..من خصب صخبي..
مكتبة أبي تنتصب أمامي مثل شيخ هرم, اقتربت من الكتب.. الأوراق مكسوة بطبقة كثيفة من الغبار, نفضتُ النسيان عن كل شيء.. كلها كتب دينية, فكر إسلامي, تفسير القرآن لعدة مفسرين..ظلال القرآن, ابن كثير, مجلة الأزهر الشريف.. كانت أصابعي تمشي على عناويين الكتب و أنا أهمهم” أي الليالي تريدين..أي الليالي*“. تجمدت أصابعي عند المصحف(القرآن الكريم), ارتعشت و خيل إليَّ أن الله يتكلم معي كما كلم سيدنا موسى عليه السلام, أمسكت المصحف و اتخذت لي مكانا على السجادة,”إنا أعطيناكَ الكوثر,فصل لربك ..”, برد قاس يجتاجني..
أغلقتُ نوافذ الشقة, صورة أبي على الجدار تذكرني بابتسامة الموناليزا, تؤذيني الصور كثيرا, لذلك أفضل دوما أن أكون أنثى غير مرئية, أتواصل مع غيري دون أن ألتقي بهم أو يرونني, متأكدة أنهم جميعا يحبونني بالرغم من عدم معرفة شكلي, سأظل هكذا, أليست الملائكة لا تُرى؟!

أحبكم..
و أنتَ أحبكَ بعدد ليالي الحرب,
غزة امرأة حزينة في كل النساء, امرأة تحب كل الرجال, تهَب العيون دمعا, تعتصر الشمس شوارع غزة فتسيل زيتا يضيء أعمدة الضوء, فتبتهج الحواري و المقاهي و الدكاكين و شاطئ غزة مفعم بالسمك يرقص نشوة.. تبزغ قوارب الصيد من بين الأمواج و الصخور, البحارون يغنون..يغنون بصوت ساكن مرتجف مثل بقايا عاصفة..
كل ذلك و غزة لا تعرف أن فيها امرأة, لاتنام, لاتنام.. امرأة تذرع الليل, في غابة جنونها ثمة غزال..
سأصعد الطابق الثاني درجة درجة..و أنتظر ليلة أخرى.

* محمود درويش

5 thoughts on “أيّ الليالي تريدين

  1. كوثر يا أمربكرة بدي أشوفك عند النافورة فالجامعةرح أكون لابسة شال لونه أزرق,الساعة 9 ما تنسيسي يو

    Like

  2. سأكون هنا أستمتع بهذا الجمال كلما عنَّ لي البحث عنههنا مايستحق القراءة وأكثرنواف الشمري

    Like

Leave a Reply

Fill in your details below or click an icon to log in:

WordPress.com Logo

You are commenting using your WordPress.com account. Log Out /  Change )

Twitter picture

You are commenting using your Twitter account. Log Out /  Change )

Facebook photo

You are commenting using your Facebook account. Log Out /  Change )

Connecting to %s