كان عقلي ذاهبا إلى خدر مجهول..و روحي تبحر عبر زورق صغير نحو شاطئ تغمره الأصداف و آثار أقدام أميرات صغيرات حافيات يبحثن عن خواتمهنّ و زينتهنّ الضائعة.. و كان جسدي مستلقٍ على سرير النار,مثل حطب,لا يتحرك أو يتكلم..لكنه كان يحتفظ بحرارة الشمس و يُشع دفئا عاطفيا يمنحك شعلة خفية ,تدفعك للهوس والجنون..كنت مشحوذة بالاوعي..لا أفكر..لا أشعر..لا أرى ..لا أسمع..كنت أشبه قطة الياسمين التي نامت في هدايا القصور,ولم تداعبها يدا غير يد واحدة بقيت وفيّة اللمس لا تلمس أي كائن إلا فرو قطة الياسمين..
قبل أن أغيب عن الوعي..لا أعرف ! بل ربما قبل أن أمرض و أصاب بالحمى و أغوص في غيبوبة..لا أعرف !..كنت امرأة عادية,طبيعية.. و كانت العتمة تهبط الأدراج الأولى من سلم الليل..خلا الكون من أي صوت..فُتِح باب غرفتي..ثم أُغلِقَ ببطئ شديد صدر عنه أزيز صدِئ..لحظتذاك:كنتُ أعد النجوم في محاولة فاشلة للنوم..نهضتُ مذعورة..اقترب من حواف السرير رجل يعتمر قمرا على رأسه, و تتدلى من رقبته ياقة خضراء مثل غصن شجيرة..و كان الرجل يحمل بين ذراعيه ذئبا ذي فروٍ ناصع البياض..تخثر الدم في عروقي من الهلع, و أحسستُ أن أوداجي تصلبت, و تجمد شيء ما في نخاعي و عمودي الفقري,فأصبحت كما و لو أنني تمثال حجري منحوت..صفعتُ وجهي بالوسادة كي لا أرى..لا أريد أن أرى ما يحدث و ما سيحدث..إلا أن الرجل سحب عن وجهي الوسادة..كانت له أظافرا طويلة, مطلية بدهان أحمر قان..أمسك الوسادة و وضعها في مكانها على السرير..ثم وضع رأسي فوقها..
كان الذئب ما يزال يبن ذراعيه..
أطفأ الرجل المصباح و تأكد من أن الباب مغلق..و أزاح الستائر إلى بعضها,حتى تحولت الغرفة إلى صندوق معتم..ثم رفع القمر عن رأسه و حطه فوق خزانة الملابس..كان ضوء القمر كافيا و كفيلا بأن ينير الغرفة..
بعد ذلك..
جلس الرجل على الكرسي القريب من النافذة..و صار يمسد فرو الذئب..لم أفُهْ بشيء..ماذا عساي أفعل و أشباح تتحكم بي و تتحرك في غرفتي بخفيّة مثل لاعب سيرك ؟!
التفتُ إلى القمر,كان مكتملا. كأنني لمحته يتقلص, و ينشطر إلى نصفين!..حدقت به..فإذا به يقفز و يستقر على شكل دائرتين متوهجتين في عيني الذئب..لمعت شرارة فيهما و عوى..رفع الرجل يديه عن الذئب و هجم (الذئب) عليّ..
حدث كل شيء بسرعة لا تصدق! دقائق و اختفى الرجل..بينما كان الذئب يلهث و ينهشني بلذة لعينة..كنتُ أصرخ و أتأوه..
عوى الذئب و شهقتُ شهقة مبطنة بأنفاس لا نهائية..
في الصباح ..
فتحتُ عينيّ و كأنني أفتح مغارتين..كانت الغرفة على ما هي دائما عليه..لم يتغيّر فيها شيئا ما, و لم يكن أحدٌ غيري..الرجل؟الذئب؟!..هلوسة..كاابووس !!..يا لهذا الغموض..
نظرتُ إلى وجهي في المرآة..كان يتدفق منه البياض..و على كتفي فرو أبيض مثل وجهي..
بكيتُ لأن الذئب لا يزورني بعد ذلك إلا في الليل..