أيام السفر

ليس كباقي المسافرين نحن..فهم يقرروا سفرهم و يحددوا موعده.. يشتروا تذاكر الطائرة قبل السفر بأيام و هم مسرورين لأجل ذلك.. ربما ذاهبون إلى رحلة ما أو زيارة أصدقاء و أقرباء..
أما نحن فيميزنا عنهم ذلك القدر المفاجئ.. نسافر دون تخطيط مسبق, أو حتى فكرة.. في يوم السفر نشتري تذاكر الطائرة, نرمي على أكتافنا الحقائب.. مجرد صور و ذكريات ثقيلة و علبة سجائر و قارورة عطر الحبيب.. و نصعد إلى أي بلد بعيد, ثم نطير بلا وداع.. ترتفع الطائرة إلى أعلى.. إلى فوق.. إلى سابع سماء.. نترك تحتنا أرض أول لقاء.. مولد الحب.. مقهى المواعيد و كلمات العتاب و المشاجرات و الأحزان و الأفراح..
في صالة الانتظار, تسمّرتُ أمام بندول الساعة الكبيرة.. الوقت يدنو من موعدي.. يدنو من أنفاسي المرهقة و يخنقها.. كأنني لا أنتظر طائرة؛ بل أنتظر موتي السحيق..
– الطائرة المتجهة إلى بيروت تحط الآن
علت الأصوات و تنادت و صار المسافرون يهرولون إلى أدراج الطائرة.. ترامت القبلات على الوجوه و برقت دمعات الأهالي في العيون.. و هناك حيث عانقت روحي طيفكَ بقيتُ متسمّرة امام بندول الساعة.. تِكْ تِكْ تِ.. و حين حلق صوت أحد الموظفين من خلف زجاج غرفة ما, ينذر كالبوم بشؤم منتظر ” بقي عشر دقائق لتقلع الطائرة المتجهة إلى بيروت “.. جررتُ خطواتي المتراكمة كالحديد الصدئ في أعماقي.. دمغت الموظفة على جواز سفري.. كم تمنيتُ لو يسمحوا لي بأن أفتش عن اسمك بين قائمة المسافرين.. أقرأه على الأوراق المدموغة و الموقعة بخط أحمر..
أهْ آااهْ
هل ستسمح لي بيروت بالبكاء ؟ و هل ستسامحني لأنني غادرتُ دونكَ و بلا وداع..

Leave a Reply

Fill in your details below or click an icon to log in:

WordPress.com Logo

You are commenting using your WordPress.com account. Log Out /  Change )

Twitter picture

You are commenting using your Twitter account. Log Out /  Change )

Facebook photo

You are commenting using your Facebook account. Log Out /  Change )

Connecting to %s