مذكّرات مصُوّر

صباح الجمعة :
اليوم عطلة المدينة عن الصخب,طلاب المدارس إلى ساعة متأخرة يرقدون في فراشهم,فلا مدرسة وراءهم أو مذاكرة ..العمال يستغلون الوقت مع نسائهم قبل انقضاء اللحظات يرتشفون القهوة معهنّ على مهل ..
و أنا وحدي في هذه العطلة يزاملني السكون,أسير في الشارع بعدما أغلقت “محلي”و حملت الكاميرا لأبحث عن وجه تلك المرأة التي مرّت عني و لم أستطِع ملاحقتها لأصوّرها ..

السبت :
حين أمطرت السماء,نشروا مظلاتهم أعلى أجسادهم,الآخرون اختبؤوا تحت الشرفات أو وضعوا حقائبهم فوق رؤوسهم ..أما أنا فأكملتُ الطريق في العراء ,لأبلِّكِ يا أنا..

الأحد :
بعدما جفت الغيوم و توقف المطر كساعة بدون بطارية , رأيتُ مساحيق وجهكِ تذوب و تسيل مع بقايا المطر تُلون الطين و تلطخ حذائي كدهان مؤقّت ..
سارعت لالتقاط آخر صورة معك , أقصد مع وجهكِ الآخر.

الخميس :
حين أموت سأشتاق للصور و أصحاب الصور ..
أوصيكِ يا سيدتي أن تدفني معي في القبر كل مُعِدّات التصوير , لن أعتزل مهنتي للأبد ..سأصوّر الأموات , و ضحكات الشهداء , و أجدادنا الذين سقوا الأرض بعرقهم و دمهم ..

الثلاثاء :
ذهبت المرأة التي أحببت. ظننتُ أن صورتها الأولى هي الأخير . فجأة انقلب كل شيء مثل فنجان قهوة مهدى إلى عرافة! , كانت تضع فوق عينيها اللون الأزرق و في الأسفل لون أبيض يلمع,,اكتشفتُ مؤخرا أن خضرة عينيها كانت مجرد عدسات لاصقة.كأنني كنت عالم فيزياء يراقب منشورا إثر تجربة ليست علمية,ظهرت نتائجها حين انبجست الشمس في منعطف الطريق !

الأربعاء :
تلاشت ملامحهم من ذاكرتي.استحوذ عليّ السكون من جديد.اليوم أنا منهار كمن أصيب بهستيريا,لكنني هادئ أو أفتعل ذلك كي لا أحس بأنني مريض نفسيًّا.تناقضات تتلملم بي..بهلوستي..بجنوني..أحب أكره,أتذكر أنسى,أصادق أعادي,..
في البداية سُعدتُ بحالتي هذه التي تشبه ارتباك مراهقة من سائق سيارة صغير.لكنني الآن مُتعب , مرهق كمعقد نفسيا ..أحتاج لقسط من الاستقرار النفسيْ . المرأة التي لاحقتها قبل أيام لأصوّرها , وجدتها أمامي,تمد يدها..انتشيْتُ,ابتسمَتْ,تفاقم انتشائي..فتحتُ يدي , فإذا بها تضع النقود فيها ! ,سعر الصورة دينارين..وذهبتْ.
أردتُ أن أقول لها كلمتين لكنها صعدت سيارتها الفارهة , ومضَتْ .
” أنا أحبكِ”.

السبت :
آثار المرأة الجميلة تظهر واضحة في وجه المدينة , متناثرة عليها مثل ورد زفة العرس.البيوت ترتسم في صور الألبوم مثل كوكب يعج بحبي..و الناس يتحركون عفويا إلى أماكنهم المعتادة..الأطفال يلعبون كأحجار نرد بيضاء تنقطها عيونهم السوداء البريئة ..الطلاب الصغار مثل دمى كسولة دسوها بين كتبهم و دفاترهم في حقائب المدرسة …

الأحد :
الغادرة مزقتُ صورها ..و ما تبقى في الألبوم سوى صور المرأة الجميلة!.
جمعتُ مذكراتي الخاصة وأرسلتها للجريدة.اطمئني صوركِ ليست للنشر,لن يراها أحدٌ سوايَ.

Leave a Reply

Fill in your details below or click an icon to log in:

WordPress.com Logo

You are commenting using your WordPress.com account. Log Out /  Change )

Twitter picture

You are commenting using your Twitter account. Log Out /  Change )

Facebook photo

You are commenting using your Facebook account. Log Out /  Change )

Connecting to %s