إنسدحت على السرير باسترخاء و كأنني كنت في سفر طويل على الأقدام . كانت بقعًا من ضوء القمر تلتصق بالشراشف . و خشخشة أوراق الشجر تتسلل إلى غرفتي بصخبٍ من الشباك الخشبي . و المطر ما يزال يزخ بجنون , و أطرب من صوته الذي يدفق الذكريات , لحظةً .. لحظهْ .
كان التعب ينخر في مفاصلي كالمسامير , و الإرهاق يستوطن حاجتي للراحة . لم أستطِع النوم , أو حتى على الأقل إسدال جفوني .
وجهت نظري بخط مستقيم نحو السماء .. راقبت نجمة صغيرة في صدر العتمة مصلوبة كالصليب . حولت الخط نحو سرب من النجوم ؛ ربما تلك النجمة ضلّته ! .
شعرت بالحزن لأجلها , ربما هي مثلي .. لم تُضِع رفاقها , بل أضاعوها ! .
صرت أطلق على كل نجمة اسمًا يحمل في لمعانه بريق الماضِ . هذه صفا , و هذا غسان .. ربما تزوّجها و أنجبا شعبًا من الورود , كما كان يحلم . لا .. لاا , فهو يحب بنات القدس أكثر من الكرماويات . فكلمة القدس تمنحه الحب ليُسخِ القدسيّة على امرأة قد يُسكره ندى شفتيها . ( كما كان يقول و يلوذ في أحلام يقظته )
و القدسيّة عنده هو أن يشبع من رائحة جسدها , و يُعوِّد قلبه على بُعدها ! .. و يفعل ما يشاء حين يكون بين يديها , كأن يخدش وجهها , فيتقاطر منه عناقيد عنب , يُلطخ أصابعه بلونه الأحمر , و يُمرِّغها بين شفتيْه .. , أو يُمسِّد شعرها في أوقاتٍ يُقرر أنها ربيعًا خالدًا و خلادًا ! .
تينك النجمتين ؛ تُوْشِكا على الغرق في بحر العتمة , و الاختناق . ليستا ليلى و رَنْد ! . فليلى استشهدت على أعتاب الحارة , و رند تحت ردم الدار الطينية ..
أشعر باختناق يغتال رئتايَ .. خط نظري يتعرّج و ينحرف عن النجوم .. تغطس النجوم في بُحيرة الضوء .. تبقى النجمة وحدها على شاطئٍ عامر بقصور الرمل الفضيْ ..
توقف المطر .. و الخشخشة .. و كل شيء !
اجتاحت الشمس غرفتي من الشباك .. ما زلتُ أجرؤ على النوم و البقاء في صحْوةٍ يُؤرقها السهد و التعب ..
ذهبوا ضيوف ليلتي ! . و النجمة أحرقتها الشمس طُهرًا !
ضيوف الليل
” إلى لحظاتٍ مسروقة من حلم لا يُعاد “