سخرية الاقدار

لم أكن أتوقع أن كلمة صغيرة خرجت على غفلة مني ستغير مجرى حياتي و تقلبني رأسا على عقب,قال كأي سائل مثل أستاذ لتلميذته ” بماذا تحلمين ؟”,صمتُ قليلا و قلت ” بكَ “..
زم شفتيه بفتور و قال ” بي “..
هكذا حكمت على نفسي بنفسي ,و تورطت في قدر غامض..
جس بأصابعه يدي و قال ” كيف يعني بي ؟” .كان يبرق في عينيه ضوء حالم,و بالرغم من أنني شممت رائحة لا بد من تعطيل الحواس عنها إلا أنني سحبت يدي من تحت أصابعه و نقرت بابهامي على أرنبة أنفه فيما أقول ” يعني بك “..
بعد عدة أيام عاد و سألني ذات السؤال ” بماذا تحلمين”..قرأت أثناء سؤاله شفتين تستنطقان حبا ما !..لكنه متردد و في غاية الحيرة في أن يعترف أحدنا به أو يبوح و لو بذرة منه..
شعرتُ بأنني بين لحظة و لحظة لم أعد أنا أنا,شيء ما اغتالني,قلتُ بلا وعي ” بكَ”..
و في اليوم التالي..حين التقى بي الرجل في المكان المعتاد ,عند بائع الجرائد ,كرر السؤال عليّ و كررت الجواب عليه..فأدلى عليّ بموعد في مقهى قريب يكون في المساء..
(في المساء) جلسنا إلى طاولة معدة لشخصين فقط..مرّت نصف ساعة و كلانا لم ينبس ببنت شفة,لم نسمع غير الموسيقى الهادئة و أنفاسا صاخبة تنطلق من رئات منقبضة ..
قلتُ في نفسي”لأكسر الصمت و لو بكلمة”:
– تكلّم
ارتعش الرجل و عرفتُ أنه كان سارحا متعمقا في التفكير بشيء جاد يشغله
– لماذا لا تنثالين بالبوح ( قال)
تفاجأتُ من كلامه.قلتُ:بوح؟!
أتى النادل بفنجانيْ قهوة,مدهما إلينا ,و قبل أن يذهب قال بذكاء”أنا كل ليلة أحلم بامرأة أخرى تختلف عن السابقة التي أعجبُ بها هنا في المقهى و هي مع حبيبها”,سكتَ للحظة و حين رآني منشدهة إليه تابع متشجعا ” أنتما كأنكما واحد,فاحلما ببعضيكما تجدا الكمال..في الحب”..و انصرف.
تأثرتُ بكلام النادل و استرجعتُ أول مرة سألني وقتها الرجل عمّا أحلم, و لم أكن أحلم بشيء بعد..
– انثالي بالبوح..كلانا مشتعل
مددتُ يدي و تناولتُ فنجان القهوة,بقيتُ صامتة,أصطنع الصمت بمهارة ,و بدا على أرجحة السائل البني في الفنجان ارتباكي و اضطرابي,فقال:
لا تتهربي..طيب قولي لي بماذا تحلمين؟
و بلا وعي انفلتت الكلمة من بين شفتاي ” بكَ “
ضحكَ الرجل و قال ” يكفي هذا لأن يكون بوحا “
حزنتُ..أجهل لماذا؟ ربما لسخرية الأقدار!
قال ” كم أحبكِ..ما أصغركِ إنكِ مثل ابنتي “
ثم غادرنا المقهى و لم أذهب لشراء الجريدة بعد ذلك المساء ..

One thought on “سخرية الاقدار

  1. حلم لحظيومشاعر جياشة أحيتكِ من جديدهنيئاً لك بما حظيت من ذلك الحبدمتِ بود عزيزتي

    Like

Leave a Reply

Fill in your details below or click an icon to log in:

WordPress.com Logo

You are commenting using your WordPress.com account. Log Out /  Change )

Twitter picture

You are commenting using your Twitter account. Log Out /  Change )

Facebook photo

You are commenting using your Facebook account. Log Out /  Change )

Connecting to %s